الأحد، 11 سبتمبر 2016

سنة أربعين من الهجرة النبوية 


فيها كان مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، على ما سنذكره مفصلا إن شاء الله تعالى . 



قال ابن جرير : فمما كان في هذه السنة من الأمور الجليلة ، توجيه معاوية بسر بن أبي أرطاة في ثلاثة آلاف من المقاتلة إلى الحجاز ، فذكر عن زياد بن عبد الله البكائي ، عن عوانة قال : أرسل معاوية بعد تحكيم الحكمين بسر بن أبي أرطاة - هو رجل من بني عامر بن لؤي - في جيش ، فساروا منالشام حتى قدموا المدينة وعامل علي عليها يومئذ أبو أيوب الأنصاري ، ففر منهم أبو أيوب ، فأتى عليا بالكوفة ، ودخل بسر المدينة ، ولم يقاتله أحد ، فصعد منبرها فنادى على المنبر : يا دينار ، ويا نجار ، ويا زريق ، شيخي شيخي ! عهدي به هاهنا بالأمس ، فأين هو ؟ يعني عثمان بن عفان ، ثم قال : يا أهل المدينة ، والله لولا ما عهد إلي معاوية فيكم ما تركت بها محتلما إلا قتلته . ثم بايع أهل المدينة ، وأرسل إلى بني سلمة ، فقال : والله ما لكم عندي من أمان ولا ص: 683 ] مبايعة حتى تأتوني بجابر بن عبد الله ، يعني حتى يبايعه ، فانطلق جابر إلى أم سلمة فقال لها : ماذا ترين ؟ إني خشيت أن أقتل وهذه بيعة ضلالة . فقالت : أرى أن تبايع ، فإني قد أمرت ابني عمر ، وختني عبد الله بن زمعة ; وهو زوج ابنتها زينب أن يبايعا ، فأتاهجابر فبايعه . 


قال : وهدم بسر دورا بالمدينة ، ثم مضى حتى أتى مكة ، فخافه أبو موسى الأشعري أن يقتله ، فقال له بسر : ما كنت لأفعل بصاحب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ذلك . فخلى عنه ، وكتب أبو موسى قبل ذلك إلى أهل اليمن أن خيلا مبعوثة من عند معاوية تقتل من أبى أن يقر بالحكومة ، ثم مضىبسر إلى اليمن وعليها عبيد الله بن عباس ، ففر إلى الكوفة حتى لحق بعلي ، واستخلف على اليمن عبد الله بن عبد المدان الحارثي ، فلما دخل بسراليمن قتله ، وقتل ابنه ، ولقي بسر ثقل عبيد الله بن عباس ، وفيه ابنان له صغيران ، فقتلهما وهما ; عبد الرحمن وقثم ، وقيل : إنه ذبحهما بين يدي أمهما ، فزاغ عقلها ووسوست مما رأت ، فكانت بعد ذلك تقف في المواسم مبهوتة زائغة العقل ، تندب ولديها . ويقال : إن بسرا قتل في مسيره هذا خلقا من شيعة علي ، وهذا الخبر مشهور عند أصحاب المغازي والسير ، وفي صحته عندي نظر ، ص: 684 ] والله تعالى أعلم . ولما بلغ عليا خبربسر ، وجه جارية بن قدامة في ألفين ، ووهب بن مسعود في ألفين ، فسار جارية حتى بلغ نجران ، فحرق بها ، وقتل ناسا من شيعة عثمان ، وهرببسر وأصحابه فأتبعهم حتى بلغ مكة . فقال لهم جارية : بايعوا ! فقالوا : لمن نبايع وقد هلك أمير المؤمنين ! فلمن نبايع ؟ فقال : بايعوا لمن بايع له أصحاب علي ، فتثاقلوا ثم بايعوا حين خافوا . ثم سار حتى أتى المدينة وأبو هريرة يصلي بهم فهرب منه ، فقال جارية : والله لو أخذت أبا سنورلضربت عنقه . ثم قال لأهل المدينة بايعوا الحسن بن علي ، فبايعوا وأقام عندهم يوما ، ثم خرج منصرفا إلى الكوفة ، وعاد أبو هريرة يصلي بهم . 

قال ابن جرير وفي هذه السنة جرت بين علي ومعاوية المهادنة بعد مكاتبات يطول ذكرها ، على وضع الحرب بينهما ، وأن يكون ملك العراق لعلي ،ولمعاوية ملك الشام ولا يدخل أحدهما على صاحبه في عمله بجيش ولا غارة ولا غزوة . 

ثم ذكر عن زياد ، عن ابن إسحاق ما هذا مضمونه ، أن معاوية كتب إلى علي : أما بعد ، فإن الأمة قد قتل بعضها بعضا بيني وبينك ، فلك العراق ولي [ 685 ] الشام ، فأقره علي على ذلك . وأمسك كل واحد منهما عن قتال الآخر ، وبعث الجيوش إلى بلاده ، واستقر الأمر على ذلك . 

قال ابن جرير : وفي هذه السنة خرج ابن عباس من البصرة إلى مكة ، وترك العمل في قول عامة أهل السير ، وقد أنكر ذلك بعضهم ، وزعم أنه لم يزل عاملا على البصرة حتى صالح الحسن بن علي معاوية ، وأنه كان شاهدا للصلح ، كما نص على ذلك أبو عبيدة وغيره . 

ثم ذكر ابن جرير سبب خروج ابن عباس عن البصرة ; وذلك أنه كلم أبا الأسود الدئلي - وكان قاضيا عليها - بكلام فيه غض من أبي الأسود ، فكتبأبو الأسود إلى علي يشكو إليه ابن عباس ، وينال من عرضه ; بأنه تناول شيئا من أموال الناس من بيت المال ، فبعث علي إلى ابن عباس فعاتبه في ذلك ، وحرر عليه القضية ، فغضب ابن عباس من ذلك ، وكتب إلى علي أن ابعث إلى عملك من أحببت فإني ظاعن عنه ،686 ] والسلام . ثم سار ابن عباس إلى مكة مع أخواله بني هلال ، وتبعتهم قيس كلها ، وقد أخذ شيئا من بيت المال مما كان اجتمع له من العمالة والفيء ، ولما سار تبعته أقوام أخر ، فلحقهم بنو تميم وأرادوا ردهم ومنعهم من المسير ، فكان بينهم بعض قتال ، ثم تحاجزوا ، ودخل ابن عباس مكة . ======ذكر مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه وما ورد في ذلك وفي فضله من الأحاديث النبوية ، وما في ذلك من دلائل النبوة وآيات المعجزة

كان أمير المؤمنين ، رضي الله عنه ، قد انتقضت عليه الأمور ، واضطربت عليه الأحوال ، وخالفه جيشه من أهل العراق وغيرهم ، ونكلوا عن القيام معه ، واستفحل أمر أهل الشام وصالوا وجالوا يمينا وشمالا زاعمين أن الأمر لمعاوية ; بمقتضى حكم الحكمين في خلعهما عليا وتولية عمرو بن العاص معاوية عند خلو الإمرة عن أحد ، وقد كان أهل الشام بعد التحكيم يسمون معاوية الأمير ، وكلما ازداد أهل الشام قوة ضعف جأش أهل العراق ووهنوا ، هذا وأميرهم علي بن أبي طالب خير أهل الأرض في ذلك الزمان ، فهو أعبدهم وأزهدهم ، وأعلمهم وأخشاهم لله ، عز وجل ، ومع هذا كله خذلوه وتخلوا [ ص: 6 ] عنه ، وقد كان يعطيهم العطاء الكثير والمال الجزيل ، فلا زال هذا دأبهم معه حتى كره الحياة وتمنى الموت ; وذلك لكثرة الفتن وظهور المحن ، فكان يكثر أن يقول : ماذا يحبس أشقاها - أي ما ينتظر - ما له لا يقتل ؟ ثم يقول : والله لتخضبن هذه - ويشير إلى لحيته - من هذه . ويشير إلى هامته . كما قال : البيهقي ، عن الحاكم ، عن الأصم ، عن محمد بن إسحاق الصغاني ، ثنا أبو الجواب الأحوص بن جواب ، ثنا عمار بن رزيق ، عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ثعلبة بن يزيد قال : قال علي : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لتخضبن هذه من هذه - للحيته من رأسه - فما يحبس أشقاها ؟ فقال عبد الله بن سبع : والله يا أمير المؤمنين لو أن رجلا فعل ذلك لأبرنا عترته . فقال : أنشدكم بالله أن يقتل بي غير قاتلي . فقالوا : يا أمير المؤمنين ، ألا تستخلف ؟ فقال : لا ولكني أترككم كما ترككم رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالوا : فما تقول لربك إذا لقيته وقد تركتنا هملا ؟ قال : أقول : اللهم استخلفتني فيهم ما بدا لك ، ثم قبضتني وتركتك فيهم ، فإن شئت أصلحتهم ، وإن شئت أفسدتهم . فيه ضعف في بعض ألفاظه . [ ص: 7 ]

طريق أخرى قال أبو داود الطيالسي في " مسنده " : ثنا شريك ، عن عثمان بن المغيرة ، عن زيد بن وهب قال : جاء رأس الخوارج إلى علي فقال له : اتق الله فإنك ميت . فقال : لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، ولكن مقتول من ضربة على هذه تخضب هذه - وأشار بيده إلى لحيته - عهد معهود ، وقضاء مقضي وقد خاب من افترى .

طريق أخرى عنه قال الحافظ أبو يعلى : ثنا سويد بن سعيد ، ثنا رشدين بن سعد ، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة ، عن عثمان بن صهيب ، عن أبيه قال : قال علي قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أشقى الأولين " ؟ قلت : عاقر الناقة . قال : " صدقت ، فمن أشقى الآخرين ؟ " قلت : لا علم لي يا رسول الله . قال : " الذي يضربك على هذه " . وأشار بيده على يافوخه . قال : فكان يقول : وددت أنه قد انبعث أشقاكم فيخضب هذه من هذه . يعني لحيته من دم رأسه .

طريق أخرى عن علي ، رضي الله عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، ثنا الأعمش عن سالم بن أبي الجعد ، عن عبد الله بن سبع قال : [ ص: 8 ] سمعت عليا يقول : لتخضبن هذه من هذه فما ينتظر بي الأشقى ؟ فقالوا : يا أمير المؤمنين ، أخبرنا به نبير عترته . قال : إذا تالله تقتلون بي غير قاتلي ! قالوا : فاستخلف علينا . قال : لا ، ولكن أترككم إلى ما ترككم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالوا : فما تقول لربك إذا أتيته ؟ قال : أقول : اللهم تركتني فيهم ما بدا لك ، ثم قبضتني إليك وأنت فيهم ، فإن شئت أصلحتهم ، وإن شئت أفسدتهم .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أسود بن عامر ، ثنا أبو بكر ، عن الأعمش عن سلمة بن كهيل ، عن عبد الله بن سبع قال : خطبنا علي فقال : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لتخضبن هذه من هذه . قال : فقال الناس : فأعلمنا من هو ، والله لنبيدنه أو لنبيدن عترته . قال : أنشدكم بالله أن يقتل غير قاتلي . قالوا : إن كنت قد علمت ذلك فاستخلف إذا . قال : لا ، ولكن أكلكم إلى ما وكلكم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم . تفرد به أحمد .

طريق أخرى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا هاشم بن القاسم ، ثنا محمد - يعني ابن راشد - عن عبد الله [ ص: 9 ] بن محمد بن عقيل ، عن فضالة بن أبي فضالة الأنصاري - وكان أبو فضالة من أهل بدر - قال : خرجت مع أبي عائدا لعلي بن أبي طالب من مرض أصابه ثقل منه . قال : فقال له أبي : ما يقيمك بمنزلك هذا ؟ لو أصابك أجلك لم يلك إلا أعراب جهينة ، تحمل إلى المدينة ، فإن أصابك أجلك وليك أصحابك وصلوا عليك . فقال علي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي ألا أموت حتى أؤمر ثم تخضب هذه - يعني لحيته - من دم هذه . يعني هامته ، قال : فقتل وقتل أبو فضالة مع علي يوم صفين . تفرد به أحمد أيضا . وقد رواه البيهقي في " الدلائل " عن الحاكم ، عن الأصم ، عن الحسن بن مكرم ، عن أبي النضر هاشم بن القاسم به .

طريق أخرى عنه : قال : الحافظ أبو بكر البزار في " مسنده " : حدثنا أحمد بن أبان القرشي ، ثنا سفيان بن عيينة ، ثنا كوفي يقال له : عبد الملك بن أعين . عن أبي حرب بن أبي الأسود ، عن أبيه قال : سمعت علي بن أبي طالب يقول : قال لي عبد الله بن سلام وقد وضعت رجلي في غرز الركاب : لا تأت العراق ; فإنك إن أتيتها أصابك بها ذباب السيف . قال : وايم الله لقد قالها ، ولقد قالها النبي صلى الله عليه وسلم لي قبله . قال أبو الأسود : فقلت : تالله ما رأيت رجلا محاربا يحدث بهذا غيرك . ثم قال البزار : لا نعلم رواه إلا علي بن أبي طالب بهذا [ ص: 10 ] الإسناد ، ولا نعلم رواه إلا عبد الملك بن أعين ، عن أبي حرب ، ولا رواه عنه إلا ابن عيينة . هكذا قال ، وقد رأيت من الطرق المتعددة خلاف ذلك . وقال البيهقي بعد ذكره طرفا من هذه الطرق : وقد روينا في كتاب " السنن " بإسناد صحيح عن زيد بن أسلم ، عن أبي سنان الدؤلي ، عن علي في إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بقتله .

حديث آخر في ذلك قال الخطيب البغدادي أخبرني علي بن القاسم البصري ، ثنا علي بن إسحاق المادرائي ، أنا محمد بن إسحاق الصغاني ثنا إسماعيل بن أبان الوراق ، ثنا ناصح ، أبو عبد الله المحلمي ، عن سماك ، عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : " من أشقى الأولين ؟ " قال : عاقر الناقة . قال : " فمن أشقى الآخرين ؟ " قال : الله ورسوله أعلم . قال : " قاتلك " .

حديث آخر في معنى ذلك : روى البيهقي من طريق فطر بن خليفة وعبد العزيز بن سياه ، كلاهما عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ثعلبة الحماني قال : سمعت عليا على المنبر وهو يقول : والله إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلي " إن الأمة ستغدر بك بعدي " . قال البخاري : ثعلبة بن يزيد الحماني في [ ص: 11 ] حديثه نظر .

قال البيهقي : وقد رويناه بإسناد آخر عن علي إن كان محفوظا ; أخبرنا أبو علي الروذباري ، أنا أبو محمد بن شوذب الواسطي بها ، ثنا شعيب بن أيوب ، ثنا عمرو بن عون ، عن هشيم ، عن إسماعيل بن سالم عن أبي إدريس الأزدي ، عن علي قال : إن مما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الأمة ستغدر بك بعدي " . قال البيهقي : فإن صح فيحتمل أن يكون المراد به ، والله أعلم ، في خروج من خرج عليه في إمارته ثم في قتله .

وقال الأعمش عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن الحارث ، عن زهير بن الأقمر قال : خطبنا علي يوم جمعة فقال : نبئت أن بسرا قد طلع اليمن ، وإني والله لأحسب أن هؤلاء القوم سيظهرون عليكم ، وما يظهرون عليكم إلا بعصيانكم إمامكم وطاعتهم إمامهم ، وخيانتكم وأمانتهم ، وإفسادكم [ ص: 12 ] في أرضكم وإصلاحهم في أرضهم ، قد بعثت فلانا فخان وغدر ، وبعثت فلانا فخان وغدر وبعث المال إلى معاوية ، لو ائتمنت أحدكم على قدح لأخذ علاقته ، اللهم سئمتهم وسئموني وكرهتهم وكرهوني ، اللهم فأرحهم مني وأرحني منهم . قال : فما صلى الجمعة الأخرى حتى قتل ، رضي الله عنه وأرضاه . ===============صفة مقتله ، رضي الله عنه 

ذكر ابن جرير وغير واحد من علماء التاريخ والسير وأيام الناس ، أن ثلاثة من الخوارج ; وهم عبد الرحمن بن عمرو المعروف بابن ملجم الحميري ثم الكندي حليف بني جبلة من كندة ، المصري ، وكان أسمر حسن الوجه أبلج ، شعره مع شحمة أذنيه ، وفي جبهته أثر السجود . والبرك بن عبد الله التميمي وعمرو بن بكر التميمي أيضا ، اجتمعوا فتذاكروا قتل علي إخوانهم من أهل النهروان فترحموا عليهم وقالوا : ماذا نصنع بالبقاء بعدهم ؟! كانوا من خير الناس وأكثرهم صلاة ، وكانوا دعاة الناس إلى ربهم ، لا يخافون في الله لومة لائم ، فلو شرينا أنفسنا فأتينا أئمة الضلالة فقتلناهم فأرحنا منهم البلاد وأخذنا منهم ثأر إخواننا . فقال ابن ملجم أنا أكفيكم علي بن أبي ص: 13 ] طالب . وقال البرك بن عبد الله : أنا أكفيكم معاوية بن أبي سفيان . وقال عمرو بن بكر : أنا أكفيكم عمرو بن العاص فتعاهدوا وتواثقوا أن لا ينكص رجل منهم عن صاحبه حتى يقتله أو يموت دونه ، فأخذوا أسيافهم فسموها ، واتعدوا لسبع عشرة من رمضان أن يبيت كل واحد منهم صاحبه في بلده الذي هو فيه . فأما ابن ملجم فسار إلى الكوفة فدخلها ، وكتم أمره حتى عن أصحابه من الخوارج الذين هم بها ، فبينما هو جالس في قوم من بني تيم الرباب وهم يتذاكرون قتلاهم يوم النهروان إذ أقبلت امرأة منهم يقال لها : قطام بنت الشجنة . قد قتل علي يوم النهروان أباها وأخاها ، وكانت فائقة الجمال مشهورة به ، وكانت قد انقطعت في المسجد الجامع تتعبد فيه ، فلما رآها ابن ملجم سلبت عقله ، ونسي حاجته التي جاء لها ، وخطبها إلى نفسها ، فاشترطت عليه ثلاثة آلاف درهم وخادما وقينة ، وأن يقتل لها علي بن أبي طالب قال : فهو لك ، ووالله ما جاء بي إلى هذه البلدة إلا قتل علي . فتزوجها ودخل بها ، ثم شرعت تحرضه على ذلك ، وندبت له رجلا من قومها من تيم الرباب يقال له : وردان . ليكون معه ردءا ، واستمال ابن ملجم رجلا آخر يقال له : شبيب بن بجرة الأشجعي الحروري . قال له ابن ملجم هل لك في شرف الدنيا والآخرة ؟ فقال : وما ذاك ؟ قال : قتل علي . فقال : ثكلتك أمك ! لقد جئت شيئا إدا ، كيف تقدر عليه ؟ قال : أكمن له في المسجد ، فإذا خرج لصلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه ، فإن نجونا شفينا أنفسنا وأدركنا ثأرنا ، وإن قتلنا فما ص: 14 ] عند الله خير من الدنيا . فقال : ويحك لو غير علي لكان أهون علي ، قد عرفت سابقته في الإسلام وقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما أجدني أنشرح صدرا لقتله . فقال : أما تعلم أنه قتل أهل النهروان ؟ فقال : بلى قال : فنقتله بمن قتل من إخواننا . فأجابه إلى ذلك بعد لأي . ودخل شهر رمضان ، فواعدهم ابن ملجم ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت ، وقال : هذه الليلة التي واعدت أصحابي يقتل كل واحد منا فيها صاحبه الذي ذهب إليه . ثم جاءوا إلى قطام ، وهي امرأة ابن ملجم ، فدعت لهم بعصب الحرير فعصبتهم بها ، وكانت في المسجد ، فجاء هؤلاء الثلاثة ; وهم ابن ملجمووردان وشبيب ، وهم مشتملون على سيوفهم ، فجلسوا مقابل السدة التي يخرج منها علي ، فلما خرج جعل ينهض الناس من النوم إلى الصلاة ويقول : الصلاة الصلاة . فثار إليه شبيب بالسيف فضربه فوقع في الطاق ، فضربه ابن ملجم بالسيف على قرنه ، فسال دمه على لحيته ، رضي الله عنه ، ولما ضربه ابن ملجم قال : لا حكم إلا لله ، ليس لك يا علي ولا لأصحابك . وجعل يتلو قوله تعالى ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رءوف بالعباد [ البقرة : 207 ] ونادى علي : عليكم به . وهرب وردان ، فأدركه رجل من حضرموت فقتله ، وذهب شبيب فنجا بنفسه وفات الناس ، ومسك ابن ملجم ، وقدم علي جعدة بن هبيرة بن أبي وهب فصلى بالناس صلاة الفجر ، وحمل علي إلى منزله ، وحمل إليه ابن ملجم ، فأوقف بين يديه وهو مكتوف ، ص: 15 ] قبحه الله ، فقال له : أي عدو الله ، ألم أحسن إليك ؟ قال : بلى . قال : فما حملك على هذا ؟ قال : شحذته أربعين صباحا ، وسألت الله أن يقتل به شر خلقه . فقال له علي : لا أراك إلا مقتولا به ، ولا أراك إلا من شر خلقه . ثم قال : إن مت فاقتلوه ، وإن عشت فأنا أعلم كيف أصنع به . 

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، ثنا شريك ، عن عمران بن ظبيان ، عن أبي تحيى قال : لما ضرب ابن ملجم عليا قال لهم : افعلوا به كما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل برجل أراد قتله فقال " اقتلوه ثم حرقوه " 

وقد روي أن أم كلثوم بنت علي قالت لابن ملجم وهو واقف : ويحك ! لم ضربت أمير المؤمنين ؟ قال : إنما ضربت أباك . فقالت : إنه لا بأس عليه . فقال : فلم تبكين ؟ والله لقد ضربته ضربة لو أصابت أهل المصر لماتوا أجمعين ، والله لقد سممت هذا السيف شهرا ، ولقد اشتريته بألف وسممته بألف . 

فقال جندب بن عبد الله : يا أمير المؤمنين ، إن مت نبايع الحسن ؟ فقال : لا آمركم ولا أنهاكم ، أنتم أبصر . ولما احتضر علي جعل يكثر من قول لا إله إلا الله ، لا ينطق بغيرها - وقد قيل : إن آخر ما تكلم به : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره [ الزلزلة : 7 ، 8 ] - وقد أوصى ولديه الحسن والحسين بتقوى الله والصلاة والزكاة ، وغفر الذنب ، ص: 16 ] وكظم الغيظ ، وصلة الرحم ، والحلم عن الجاهل ، والتفقه في الدين ، والتثبت في الأمر ، والتعاهد للقرآن ، وحسن الجوار ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، واجتناب الفواحش ، ووصاهما بأخيهما محمد ابن الحنفية ، ووصاه بما وصاهما به ، وأن يعظمهما ولا يقطع أمرا دونهما ، وكتب ذلك كله في كتاب وصيته ، رضي الله عنه وأرضاه . ==============

مسألة: الجزء الحادي عشر
وصورة الوصية : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، ثم إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له ، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ، أوصيك يا حسن وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ربكم ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، فإني سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول " إن صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام " . انظروا إلى ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب ، الله الله في الأيتام ; فلا تعفوا أفواههم ولا يضيعن بحضرتكم ، والله الله في جيرانكم ; فإنهم وصية نبيكم صلى الله عليه وسلم ، ما زال يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم ، والله الله في القرآن ; فلا يسبقنكم إلى العمل به غيركم ، والله الله في الصلاة ; فإنها عمود دينكم ، والله الله في بيت ربكم ، فلا يخلون ص: 17 ] منكم ما بقيتم ; فإنه إن ترك لم تناظروا ، والله الله في شهر رمضان ; فإن صيامه جنة من النار ، والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ، والله الله في الزكاة ; فإنها تطفئ غضب الرب ، والله الله في ذمة نبيكم ; لا تظلمن بين ظهرانيكم ، والله الله في أصحاب نبيكم ; فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بهم ، والله الله في الفقراء والمساكين فأشركوهم في معاشكم ، والله الله فيما ملكت أيمانكم ، فإن آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال : " أوصيكم بالضعيفين ; نسائكم وما ملكت أيمانكم " . الصلاة الصلاة ، لا تخافن في الله لومة لائم يكفكم من أرادكم وبغى عليكم ، وقولوا للناس حسنا كما أمركم الله ، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فيولى الأمر شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم ، وعليكم بالتواصل والتباذل ، وإياكم والتدابر والتقاطع والتفرق ، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ، واتقوا الله إن الله شديد العقاب حفظكم الله من أهل بيت ، وحفظ فيكم نبيكم ، أستودعكم الله ، وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله . ثم لم ينطق إلا بلا إله إلا الله ، حتى قبض في شهر رمضان .

وقد غسله ابناه الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر ، وصلى عليه الحسن ، فكبر عليه تسع تكبيرات .

قال الهيثم بن عدي حدثني رجل من بجيلة ، عن مشيخة قومه ، أن عبد الرحمن بن ملجم رأى امرأة من تيم الرباب يقول لها : قطام . كانت من أجمل النساء ، ترى رأي الخوارج ، قد قتل علي قومها على هذا ص: 18 ] الرأي ، فلما أبصرها عشقها فخطبها ، فقالت : لا أتزوجك إلا على ثلاثة آلاف وعبد وقينة وقتل علي بن أبي طالب فتزوجها على ذلك ، فلما بنى بها قالت له : يا هذا ، قد فرغت من حاجتك ، فافرغ من حاجتي . فخرج ملبسا سلاحه ، وخرجت فضربت له قبة في المسجد ، وخرج علي يقول : الصلاة الصلاة . فأتبعه عبد الرحمن ، فضربه بالسيف على قرن رأسه ، فقال الشاعر - قال ابن جرير : هو ابن مياس المرادي - :


ولم أر مهرا ساقه ذو سماحة كمهر قطام بينا غير معجم     ثلاثة آلاف وعبد وقينة
وقتل علي بالحسام المصمم     فلا مهر أغلى من علي وإن غلا
ولا قتل إلا دون قتل ابن ملجم
ولابن مياس في قتلهم عليا :


ونحن ضربنا يا لك الخير حيدرا     أبا حسن مأمومة فتفطرا
ونحن خلعنا ملكه من نظامه     بضربة سيف إذ علا وتجبرا
ص: 19 ] ونحن كرام في الهياج أعزة     إذا الموت بالموت ارتدى وتأزرا 
وقد امتدح ابن ملجم بعض الخوارج المتأخرين في زمن التابعين ، وهو عمران بن حطان - وكان أحد العباد ممن يروي عن عائشة في " صحيحالبخاري " - فقال فيه :


يا ضربة من تقي ما أراد بها     إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره يوما فأحسبه     أوفى البرية عند الله ميزانا 
وأما صاحب معاوية - وهو البرك - فإنه حمل عليه وهو خارج إلى صلاة الفجر في هذا اليوم ، فضربه بالسيف ، وقيل : بخنجر مسموم . فجاءت الضربة في وركه فجرحت أليته ، ومسك الخارجي فقتل ، وقد قال لمعاوية : اتركني فإني أبشرك ببشارة . فقال : وما هي ؟ فقال : إن أخي قد قتل في هذه الليلة علي بن أبي طالب قال : فلعله لم يقدر عليه . قال : بلى ، إنه لا حرس معه . فأمر به فقتل ، وجاء الطبيب إلى معاوية فقال : إن جرحك مسموم ; فإما أن أكويك وإما أن أسقيك شربة فيذهب السم ، ولكن ينقطع نسلك . فقال معاوية : أما النار فلا طاقة لي بها ، وأما النسل ففي يزيد وعبد الله ما تقر به عيني . فسقاه شربة ، فبرأ من ألمه وجراحه ، وانقطع النسل وسلم من ذلك ، رضي الله عنه . ومن حينئذ عملت المقصورة في المسجد الجامع ، وجعل الحرس حولها في حال السجود ، فكان أول من اتخذها معاوية لهذه الحادثة .

ص: 20 ] وأما صاحب عمرو بن العاص - وهو عمرو بن بكر - فإنه كمن له ليخرج إلى الصلاة ، فاتفق أن عرض لعمرو بن العاص مغص شديد في تلك الليلة ، فلم يخرج إلا نائبه إلى الصلاة ، وهو خارجة بن أبي حبيبة ، من بني عامر بن لؤي ، وكان على شرطة عمرو بن العاص ، فحمل عليه الخارجي فقتله ، وهو يعتقده عمرو بن العاص فلما أخذ الخارجي قال : أردت عمرا وأراد الله خارجة . فأرسلها مثلا ، ثم قتل ، قبحه الله ، وقد قيل : إن الذي قالها عمرو بن العاص . وذلك حين جيء بالخارجي فقال : ما هذا ؟ قالوا : قتل نائبك خارجة . فقال الخارجي : والله ما أردت إلا إياك . فقال عمرو: أردتني وأراد الله خارجة . ثم أمر به فضربت عنقه .

والمقصود أن عليا ، رضي الله عنه ، لما مات صلى عليه ابنه الحسن ، فكبر عليه تسع تكبيرات ، ودفن بدار الإمارة بالكوفة ; خوفا عليه من الخوارجأن ينبشوا عن جثته ، هذا هو المشهور ، ومن قال : إنه حمل على راحلته ، فذهبت به فلا يدرى أين ذهبت . فقد أخطأ وتكلف ما لا علم له به ، ولا يسيغه عقل ولا شرع ، وما يعتقده كثير من جهلة الروافض من أن قبره بمشهد النجف ، فلا دليل على ذلك ولا أصل له ، ويقال : إنما ذاك قبر المغيرة بن شعبة حكاه الخطيب البغدادي عن أبي نعيم الحافظ ، عن أبي بكر الطلحي ، عن ص: 21 ] محمد بن عبد الله الحضرمي الحافظ ، هو مطين ، أنه قال : لو علمت الشيعة قبر هذا الذي يعظمونه بالنجف لرجموه بالحجارة ، هذا قبر المغيرة بن شعبة . 

قال الواقدي : حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي الباقر : كم كان سنعلي يوم قتل ؟ قال : ثلاثا وستين سنة . قلت : أين دفن ؟ قال : دفن بالكوفة ليلا ، وقد غبي عني دفنه . وفي رواية عن جعفر الصادق أنه كان عمره يوم قتل ثمانية وخمسين سنة . وقد قيل : إن عليا دفن قبلي المسجد الجامع من الكوفة . قاله الواقدي . والمشهور أنه دفن بدار الإمارة . وقيل : بحائط جامع الكوفة . وقد حكى الخطيب البغدادي عن أبي نعيم الفضل بن دكين أن الحسن والحسين حولاه فنقلاه إلى المدينة فدفناه بالبقيع عند قبر زوجتهفاطمة أمهما . وقيل : إنهم لما حملوه على البعير ضل منهم ، فأخذته طيئ يظنونه مالا ، فلما رأوا أن الذي في الصندوق ميت ، ولم يعرفوا من هو دفنوا الصندوق بما فيه ، فلا يعلم أحد أين قبره . حكاه الخطيب أيضا . ص: 22 ] وروى الحافظ ابن عساكر ، عن الحسن بن علي قال : دفنت عليافي حجرة من دور آل جعدة .

وعن عبد الملك بن عمير قال : لما حفر خالد بن عبد الله أساس دار ابنه يزيد استخرجوا شيخا مدفونا أبيض الرأس واللحية ، كأنما دفن بالأمس ، فهم بإحراقه ، ثم صرفه الله عن ذلك إلى غيره ، فاستدعى بقباطي فلفه فيها ، وطيبه وتركه مكانه . قالوا : وذلك المكان بحذاء باب الوراقين مما يلي قبلة المسجد في بيت إسكاف ، وما يكاد يقر في ذلك الموضع أحد إلا انتقل منه

. وعن جعفر بن محمد الصادق قال : صلي على علي ليلا ، ودفن بالكوفة ، وعمي موضع قبره ، ولكنه عند قصر الإمارة .

وقال ابن الكلبي : شهد دفنه في الليل الحسن والحسين وابن الحنفية وعبد الله بن جعفر وغيرهم من أهل بيتهم ، فدفنوه في ظاهر الكوفة وعموا قبره ; خيفة عليه من الخوارج وغيرهم .

وحاصل الأمر أن عليا قتل ليلة الجمعة سحرا ، وذلك لسبع عشرة خلت من رمضان من سنة أربعين . وقيل : إنه قتل في ربيع الأول . والأول هو الأصحص: 23 ] الأشهر . والله أعلم . ودفن بالكوفة ، عن ثلاث وستين سنة ، وصححه الواقدي و ابن جرير وغير واحد ، وقيل : عن خمس وستين . وقيل : عن ثمان وخمسين سنة . رضي الله عنه . وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر .

فلما مات علي ، رضي الله عنه ، استدعى الحسن بن علي بابن ملجم ، فقال : له ابن ملجم : إني أعرض عليك خصلة . قال : وما هي ؟ قال : إني كنت عاهدت الله عند الحطيم أن أقتل عليا ومعاوية أو أموت دونهما ، فإن خليتني ذهبت إلى معاوية ، على أني إن لم أقتله أو قتلته وبقيت ، فلك علي عهد الله أن أرجع إليك حتى أضع يدي في يدك . فقال له الحسن : كلا والله حتى تعاين النار . ثم قدمه فقتله ، ثم أخذه الناس فأدرجوه في بواري ، ثم أحرقوه بالنار . وقد قيل : إن عبد الله بن جعفر قطع يديه ورجليه وكحلت عيناه ، وهو مع ذلك يقرأ سورة اقرأ باسم ربك الذي خلق إلى آخرها ، ثم جاءوا ليقطعوا لسانه فجزع ، وقال : إني أخشى أن تمر علي ساعة لا أذكر الله فيها . ثم قطعوا لسانه ، ثم قتلوه ثم حرقوه في قوصرة . والله أعلم .

وروى ابن جرير قال : حدثني الحارث ، ثنا ابن سعد ، عن محمد بن ص: 24 ] عمر قال : ضرب علي يوم الجمعة ، فمكث يوم الجمعة وليلة السبت ، وتوفي ليلة الأحد ، لإحدى عشرة ليلة بقيت من رمضان سنة أربعين ، عن ثلاث وستين سنة . قال الواقدي : وهو الثبت عندنا . والله أعلم بالصواب .
===============فصل في ذكر زوجاته وبنيه وبناته ، رضي الله عنهم أجمعين

قال الإمام أحمد : حدثنا حجاج ، ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن علي قال : لما ولد الحسن جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أروني ابني ، ما سميتموه ؟ " فقلت : سميته حربا . فقال : " بل هو حسن " . فلما ولد الحسين قال : " أروني ابني ، ما سميتموه ؟ " فقلت : سميته حربا . قال : " بل هو حسين " . فلما ولد الثالث جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أروني ابني ، ما سميتموه ؟ " فقلت : حربا . فقال : " بل هو محسن " . ثم قال : " إني سميتهم باسم ولد هارون شبر وشبير ومشبر " . وقد رواه محمد بن سعد ، عن يحيى بن عيسى التيمي ، عن الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد قال : قال علي : كنت رجلا أحب الحرب ، فلما ولد الحسن هممت أن أسميه حربا . فذكر الحديث بنحو ما تقدم ، لكن لم يذكر الثالث . وقد ورد في بعض الأحاديث أن عليا سمى الحسن أولا بحمزة وحسينا بجعفر ، فغير اسميهما ص: 25 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فأول زوجة تزوجها علي ، رضي الله عنه ، فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بنى بها بعد وقعة بدر ، فولدت له الحسن وحسينا ، ويقال :ومحسنا . ومات وهو صغير ، وولدت له زينب الكبرى ، وأم كلثوم الكبرى ، وهي التي تزوج بها عمر بن الخطاب كما تقدم ، ولم يتزوج علي علىفاطمة حتى توفيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة أشهر ، فلما ماتت تزوج بعدها بزوجات كثيرة ; منهن من توفيت في حياته ومنهن من طلقها وتوفي عن أربع ، كما سيأتي .

فمن زوجاته أم البنين بنت حزام وهو أبو المحل بن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن كعب بن عامر بن كلاب ، فولدت له العباس وجعفرا وعبد الله وعثمان، وقد قتل هؤلاء مع أخيهم الحسين بكربلاء ، ولا عقب لهم سوى العباس .

ومنهن ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك ، من بني تميم ، فولدت له عبيد الله وأبا بكر . قال هشام بن الكلبي وقد قتلا بكربلاء أيضا . وزعم الواقدي أنعبيد الله قتله المختار بن أبي عبيد يوم المذار .

ومنهن أسماء بنت عميس الخثعمية ، فولدت له يحيى ومحمدا الأصغر ص: 26 ] قاله ابن الكلبي . وقال الواقدي : ولدت له يحيى وعونا . قالالواقدي : فأما محمد الأصغر فمن أم ولد .

ومنهن أم حبيب بنت ربيعة بن بجير بن العبد بن علقمة ، وهي أم ولد من السبي الذين سباهم خالد بن الوليد من بني تغلب حين أغار على عين التمرفولدت له عمر - وقد عمر خمسا وثمانين سنة - ورقية .

ومنهن أم سعيد بنت عروة بن مسعود بن معتب بن مالك الثقفي ، فولدت له أم الحسن ورملة الكبرى .

ومنهن ابنة امرئ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم بن كلب الكلبية ، فولدت له جارية ، فكانت تخرج مع علي إلى المسجد وهي صغيرة ، فيقال لها : من أخوالك ؟ فتقول : وه وه تعني بني كلب .

ومنهن أمامة بنت أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي ، وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهي التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحملها وهو في الصلاة ; إذا قام حملها ، وإذا سجد وضعها - فولدت له محمدا الأوسط .

وأما ابنه محمد الأكبر فهو ابن الحنفية ، وهي خولة بنت جعفر بن قيس بن ص: 27 ] مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدئل بن حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل ، سباها خالد أيام الصديق أيام الردة ، من بني حنيفة ، فصارت لعلي بن أبي طالب ، فولدت له محمداهذا ، ومن الشيعة من يدعي فيه الإمامة والعصمة ، وقد كان من سادات المسلمين ، ولكن ليس بمعصوم ولا أبوه معصوم ، بل ولا من هو أفضل من أبيه من الخلفاء الراشدين قبله ليسوا بواجبي العصمة . والله أعلم .

وقد كان لعلي أولاد كثيرة آخرون من أمهات أولاد شتى ، فإنه مات عن أربع نسوة وتسع عشرة سرية ، رضي الله عنه ، فمن أولاده ، رضي الله عنهم ، ممن لا يعرف أسماء أمهاتهم ; أم هانئ ، وميمونة ، وزينب الصغرى ، ورملة الصغرى ، وأم كلثوم الصغرى ، وفاطمة ، وأمامة ، وخديجة ، وأم الكرام ، وأم جعفر ، وأم سلمة ، وجمانة ، ونفيسة . قال : ابن جرير فجميع ولد علي أربعة عشر ذكرا وسبع عشرة أنثى . قال الواقدي : وإنما كان النسل من خمسة ; وهم الحسن والحسين ومحمد ابن الحنفية والعباس ابن الكلابية وعمر ابن التغلبية ، رضي الله عنهم أجمعين .

وقد قال ابن جرير : حدثني ابن سنان القزاز ، ثنا أبو عاصم ، ثنا سكين بن عبد العزيز ، أنا حفص بن خالد ، حدثني أبي خالد بن جابر قال : سمعتالحسن لما قتل علي قام خطيبا فقال : لقد قتلتم الليلة رجلا في ليلة نزل فيها ص: 28 ] القرآن ، ورفع فيها عيسى ابن مريم ، وفيها قتل يوشع بن نون فتى موسى عليهما السلام ، والله ما سبقه أحد كان قبله ، ولا يدركه أحد يكون بعده ، والله إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبعثه في السرية ، جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره ، والله ما ترك صفراء ولا بيضاء إلا ثمانمائة أو سبعمائة أرصدها لخادم . وهذا غريب جدا ، وفيه نكارة . والله أعلم . وهكذا رواه أبو يعلى عن إبراهيم بن الحجاج ، عن سكين به .

وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن شريك ، عن أبي إسحاق ، عن هبيرة قال : خطبنا الحسن بن علي قال : لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأولون بعلم ولا يدركه الآخرون ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه بالراية ، جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله ، لا ينصرف حتى يفتح له . ورواهزيد العمي وشعيب بن خالد ، عن أبي إسحاق به ، وقال : ما ترك إلا سبعمائة كان أرصدها يشتري بها خادما .

وقال الإمام أحمد : حدثنا حجاج ، ثنا شريك ، عن عاصم بن كليب ، عن محمد بن كعب القرظي ، أن عليا قال : لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني لأربط الحجر على بطني من الجوع ، وإن صدقتي اليوم لتبلغ أربعين ص: 29 ] ألفا . ورواه ، عن أسود ، عن شريك به ، وقال : إن صدقتي لتبلغ أربعين ألف دينار .
=================باب ذكر شيء من فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه

فمن ذلك أنه أقرب العشرة المشهود لهم بالجنة نسبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب ، واسمه شيبة بن هاشم ، واسمه عمرو بن عبد مناف ، واسمه المغيرة بن قصي ، واسمه زيد بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، أبو الحسن القرشي الهاشمي ، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أبوه أخو أبيه ، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف . قال الزبير بن بكار : وهي أول هاشمية ولدت هاشميا . وقد أسلمت وهاجرت ، وأبوه هو العم الشقيق الرفيق أبو طالب ، واسمه عبد مناف كذا نص عليه الإمام أحمد بن حنبل ، هو وغير واحد من علماء النسب وأيام الناس ، وزعمتالروافض أن اسم أبي طالب عمران ، وأنه المراد من قوله تعالى إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين [ آل عمران : 33 ] . وقد أخطئوا في ذلك خطأ كبيرا ، ولم يتأملوا القرآن [ ص: 30 ] قبل أن يقولوا هذا البهتان من القول في تفسيرهم له على غير مراد الله تعالى ، فإنه تعالى قد ذكر بعدها قوله تعالى إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا [ آل عمران : 35 ] . فذكر بعدها ميلاد مريم بنت عمران ، عليها السلام ، وهذا ظاهر ولله الحمد . وقد كان أبو طالب كثير المحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يؤمن به بل مات على الكفر ، كما ثبت ذلك في " صحيح البخاري " من رواية سعيد بن المسيب عن أبيه ، في عرضه ، عليه الصلاة والسلام ، على عمه أبي طالب وهو في السياق أن يقول : لا إله إلا الله . فقال له أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية : يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فقال : كان آخر ما قال : هو على ملة عبد المطلب . وأبى أن يقول : لا إله إلا الله فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول " أما لأستغفرن لك ما لم أنه عنه " فنزل في ذلك قوله تعالى ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم [ التوبة : 113 : 114 ] . ونزلت إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين [ القصص : 56 ] . [ ص: 31 ] وقد تقدم هذا كله في أول المبعث ونبهنا على خطأ الرافضة في دعواهم أنه أسلم ، وافترائهم ذلك بلا دليل ، وعلى مخالفتهم النصوص الصحيحة الصريحة .

وأما علي ، رضي الله عنه ، فإنه أسلم قديما ، وهو دون البلوغ على المشهور ، ويقال : إنه أول من أسلم . وقد روي في ذلك حديث عنه ولا يصح ، والصحيح أنه أول من أسلم من الغلمان . كما أن خديجة أول من أسلم من النساء ، وأبو بكر الصديق أول من أسلم من الرجال الأحرار ، وزيد بن حارثةأول من أسلم من الموالي .

وقد روى الترمذي وأبو يعلى من حديث أنس بن مالك قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ، وصلى علي يوم الثلاثاء . ورواه بعضهم ، عن مسلم الملائي ، عن حبة بن جوين عن علي وحديث حبة لا يساوي حبة .

وقد روى سلمة بن كهيل ، عن حبة ، عن علي قال : عبدت الله مع [ ص: 32 ] رسول الله سبع سنين قبل أن يعبده أحد . وهذا لا يصح أبدا ، وهو كذب .

وروى سفيان الثوري وشعبة ، عن سلمة ، عن حبة ، عن علي قال : أنا أول من أسلم . وهذا لا يصح أيضا ، وحبة ضعيف .

وقال سويد بن سعيد : ثنا نوح بن قيس ، ثنا سليمان بن عبد الله ، عن معاذة العدوية قالت : سمعت علي بن أبي طالب على منبر البصرة يقول : أنا الصديق الأكبر ، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر ، وأسلمت قبل أن يسلم . وهذا لا يصح . قاله البخاري .

وقد ثبت عنه بالتواتر أنه قال على منبر الكوفة أيها الناس ، إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ، ثم عمر ، ولو شئت أن أسمي الثالث لسميت .

قال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن داود ، ثنا أبو عوانة ، عن أبي بلج ، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن عباس قال : أول من صلى - وفي رواية : من أسلم - مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خديجة علي بن أبي طالب . ورواه الترمذي من [ ص: 33 ] حديث شعبة ، عن أبي بلج به .

وقد روى عن زيد بن أرقم وأبي أيوب الأنصاري أنه صلى قبل الناس بسبع سنين . وهذا لا يصح من أي وجه كان . وقد روي في أنه أول من أسلم من هذه الأمة أحاديث كثيرة ، لا يصح منها شيء ، وأجود ما في ذلك ما ذكرناه ، على أنه قد خولف فيه ، وقد اعتنى الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكرفي " تاريخه " بتطريق هذه الروايات ، فمن أراد كشف ذلك ، فعليه به ، والله الموفق للصواب .

وقد روى الترمذي والنسائي ، من حديث شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن طلحة بن يزيد ، عن زيد بن أرقم قال : أول من أسلم علي . قال الترمذي : حسن صحيح .

وصحب علي رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة مقامه بمكة ، وكان عنده في منزله وفي كفالته في حياة أبيه أبي طالب إلى أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتخلف علي بعده ليؤدي ما كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من ودائع الناس ، فإنه كان يعرف في قومه بالأمين ، فكانوا يودعونه الأموال والأشياء النفيسة ، ثم هاجر علي بعد رسول [ ص: 34 ] الله صلى الله عليه وسلم ، وصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن توفي وهو راض عنه ، وحضر معه مشاهده كلها ، وجرت له مواقف شريفة بين يديه في مواطن الحرب ، كما بينا ذلك في السيرة بما أغنى عن إعادته هاهنا ، كيوم بدر وأحد والأحزاب وخيبر وغيرها ، ولما استخلفه عام تبوك على أهله بالمدينة قال : " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون منموسى ، غير أنه لا نبي بعدي . وقد ذكرنا تزويجه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخوله بها بعد وقعة بدر بما أغنى عن إعادته ، ولما رجع عليه الصلاة والسلام من حجة الوداع ، فكان بين مكة والمدينة بمكان يقال له : غدير خم . خطب الناس هنالك في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة فقال في خطبته : " من كنت مولاه فعلي مولاه " . وفي بعض الروايات " اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه وانصر من نصره ، واخذل من خذله " والمحفوظ الأول .

وإنما كان سبب هذه الخطبة والتنبيه على فضل علي ما ذكره ابن إسحاق من أن عليا لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن أميرا هو وخالد بن الوليد ، ورجع علي ، فوافى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة في حجة الوداع وقد كثرت فيه المقالة ، وتكلم فيه بعض من كان معه بسبب استرجاعه منهم خلعا كان خلعها نائبه [ ص: 35 ] عليهم لما تعجل السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع أحب أن يبرئ ساحة علي مما نسب إليه من القول فيه ، وقد اتخذت الروافض هذا اليوم عيدا ، فكانت تضرب فيه الطبول ببغدادفي أيام بني بويه في حدود الأربعمائة ، كما سننبه عليه إذا انتهينا إليه إن شاء الله ، ثم بعد ذلك بنحو من عشرين يوما تعلق المسوح السود على أبواب الدكاكين وتذر التبن والرماد في الطرق والأسواق ، وتدور النساء في سكك البلد ينحن على الحسين بن علي يوم عاشوراء صبيحة قراءتهم المصرع المكذوب في قتل الحسين ، وسنبين ذلك كله إذا انتهينا إليه وكيف وقع الأمر على الجلية ، إن شاء الله تعالى . وقد كان بعض بني أمية يعيب على عليفي تسميته أبا تراب ، وهو اسم سماه به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما ثبت في " الصحيحين " عن سهل بن سعد ، أن عليا غاضب فاطمة ، فراح إلى المسجد ، فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجده نائما وقد لصق التراب بجلده ، فجعل ينفض عنه التراب ويقول : " اجلس أبا تراب، اجلس أبا تراب " .
=====================قال الحاكم : حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الجنيد ، ثنا الحسين بن جعفر القرشي ، ثنا العلاء بن عمرو والحنفي ، ثنا أيوب بن مدرك ، عن مكحول ، عن أبي أمامة قال : لما آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الناس آخى بينه وبين علي . ثم قال الحاكم : لم نكتبه من حديث مكحول إلا من هذا الوجه ، وكان المشايخ يعجبهم هذا الحديث ; لكونه من رواية أهل الشام .

قلت : وفي صحة هذا الحديث نظر ، وورد من حديث أنس وابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي " أنت أخي في الدنيا والآخرة " . وكذلك من طريق زيد بن أبي أوفى ، وابن عباس ، ومحدوج بن زيد الذهلي ، وجابر بن عبد الله ، وعامر بن ربيعة ، وأبي ذر ، وعلي نفسه ، نحو ذلك ، وأسانيدها كلها ضعيفة لا يقوم بشيء منها حجة . والله أعلم . وقد جاء من غير وجه أنه قال : أنا عبد الله وأخو رسوله ، لا يقولها بعدي إلا كذاب .

وقال الترمذي : ثنا يوسف بن موسى القطان البغدادي ، ثنا علي بن قادم ، [ ص: 37 ] ثنا علي بن صالح بن حي ، عن حكيم بن جبير ، عن جميع بن عمير التيمي ، عن ابن عمر قال : آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه ، فجاء علي تدمع عيناه ، فقال : يا رسول الله ، آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنت أخي في الدنيا والآخرة " . ثم قال : هذا حديث حسن غريب ، وفيه عن زيد بن أبي أوفى .

وقد شهد علي بدرا ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر " وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " . وبارز يومئذ كما تقدم . وكانت له اليد البيضاء ودفع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية يومئذ وهو ابن عشرين سنة . قاله الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس قال : وكانت تكون معه راية المهاجرين في المواقف كلها . وكذلك قال سعيد بن المسيب وقتادة .

وقال خيثمة بن سليمان الأطرابلسي الحافظ : حدثنا أحمد بن حازم ص: 38 ] بن أبي غرزة ، ثنا إسماعيل بن أبان ، ثنا ناصح بن عبد الله المحلمي ، عن سماك بن حرب ، عن جابر بن سمرة قال : قالوا : يا رسول الله ، من يحمل رايتك يوم القيامة ؟ قال " ومن عسى أن يحملها يوم القيامة إلا من كان يحملها في الدنيا ; علي بن أبي طالب . وهذا إسناد ضعيف . ورواه ابن عساكر عن أنس بن مالك ولا يصح أيضا .

وقال الحسن بن عرفة : حدثني عمار بن محمد ، عن سعيد بن محمد الحنظلي ، عن أبي جعفر محمد بن علي قال : نادى مناد في السماء يوم بدر : لا سيف إلا ذو الفقار ، ولا فتى إلا علي . قال الحافظ بن عساكر : وهذا مرسل ، وإنما تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر ثم وهبه لعلي بعد ذلك .

وقال الزبير بن بكار حدثني علي بن المغيرة ، عن معمر بن المثنى قال : كان لواء المشركين يوم بدر مع طلحة بن أبي طلحة ، فقتله علي بن أبي طالب . ففي ذلك يقول الحجاج بن علاط السلمي


لله أي مذبب عن حرمة أعني ابن فاطمة المعم المخولا ص: 39 ]     جادت يداك له بعاجل طعنة
تركت طليحة للجبين مجدلا     وشددت شدة باسل فكشفتهم
بالحق إذ يهوون أخول أخولا     وعللت سيفك بالدماء ولم تكن
لترده حران حتى ينهلا

وشهد بيعة الرضوان ، وقد قال الله تعالى لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة الآيات [ الفتح : 18 ] . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لن يدخل أحد بايع تحت الشجرة النار .

وقد ثبت في الصحاح وغيرها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر " لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، ليس بفرار ، يفتح الله على يديه " . فبات الناس يدوكون أيهم يعطاها ، حتى قال عمر : ما أحببت الإمارة إلا يومئذ . فلما أصبح أعطاها عليا ، ففتح الله على يديه . ورواه جماعة ، منهم ; مالك ، ويحيى بن سعيد ، ويعقوب بن عبد الرحمن ، وجرير بن عبد الحميد ، وحماد بن سلمة ، وعبد العزيز بن المختار، وخالد بن عبد الله ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة . وأخرجه مسلم . ورواه ابن أبي حازم ، عن سهل بن ص: 40 ] سعد . أخرجاه في " الصحيحين " ، وقال في حديثه فدعا به رسول الله وهو أرمد ، فبصق في عينيه فبرأ . ورواه إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه ، ويزيد بن أبي عبيدعن مولاه سلمة أيضا ، وحديثه عنه في " الصحيحين " .

وقال محمد بن إسحاق : حدثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي ، عن أبيه ، عن سلمة بن عمرو بن الأكوع قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر الصديق برايته إلى بعض حصون خيبر فقاتل ثم رجع ولم يكن فتح وقد جهد ، ثم بعث الغد عمر بن الخطاب فقاتل ثم رجع ولم يكن فتح وقد جهد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، يفتح الله على يديه ، ليس بفرار " . قال : سلمة : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وهو أرمد ، فتفل في عينيه ، ثم قال : " خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك " قال سلمة : فخرج والله يهرول بها هرولة ، وإنا لخلفه نتبع أثره حتى ركز رايته في رجم من حجارة تحت الحصن ، فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن ، فقال : من أنت ؟ قال علي بن ص: 41 ] أبي طالب قال اليهودي : عليتم ومن أنزل التوراة على موسى . قال : فما رجع حتى فتح الله على يديه . وقد رواه عكرمة بن عمار ، عن عطاء مولى السائب ، عن سلمة بن الأكوع وفيه أنه هو الذي جاء به يقوده وهو أرمد ، حتى بصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه فبرأ .

رواية بريدة بن الحصيب : قال الإمام أحمد : حدثنا زيد بن الحباب ، ثنا الحسين بن واقد ، حدثني عبد الله بن بريدة ، حدثني بريدة بن الحصيب قال : حاصرنا خيبر ، فأخذ اللواء أبو بكر ، فانصرف ولم يفتح له ، ثم أخذه من الغد عمر ، فخرج فرجع ولم يفتح له ، وأصاب الناس يومئذ شدة وجهد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني دافع اللواء غدا إلى رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله ، لا يرجع حتى يفتح له " قال : وبتنا طيبة أنفسنا أن الفتح غدا . قال : فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الغداة ، ثم قام قائما ، فدعا باللواء والناس على مصافهم ، فدعا عليا وهو أرمد ، فتفل في عينيه ، ودفع إليه اللواء ، ففتح له " . قال بريدة : وأنا فيمن تطاول لها . ورواه النسائي من حديث الحسين بن واقد به أطول منه ، ثم رواه أحمد عن محمد بن جعفر [ ص: 42 ] وروح ، كلاهما عن عوف ، عن ميمون أبي عبد الله الكردي ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه به نحوه ، وأخرجه النسائي عن بندار عن غندر به ، وفيه الشعر .

رواية عبد الله بن عمر : ورواه هشيم عن العوام بن حوشب ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ابن عمر ، فذكر سياق حديث بريدة . ورواه كثير النواءعن جميع بن عمير ، عن ابن عمر نحوه ، وفيه قال علي : فما رمدت بعد يومئذ . ورواه أحمد عن وكيع ، عن هشام بن سعد ، عن عمر بن أسيد ، عنابن عمر كما سيأتي .

رواية ابن عباس : قال أبو يعلى : حدثنا يحيى بن عبد الحميد ، ثنا أبو عوانة ، عن أبي بلج ، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله " . فقال : " أين علي ؟ " قالوا : يطحن . قال : وما أحد منهم يرضى أن يطحن ، فأتى به ، فدفع إليه الراية ، فجاء بصفية بنت حيي بن أخطب . وهذا غريب من هذا [ ص: 43 ] الوجه ، وهو مختصر من حديث طويل . ورواه الإمام أحمد ، عن يحيى بن حماد ، عن أبي عوانة ، عن أبي بلج ، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن عباس ، فذكره بتمامه ، فقالالإمام أحمد : ثنا يحيى بن حماد ، ثنا أبو عوانة ، ثنا أبو بلج ، ثنا عمرو بن ميمون قال : إنى لجالس إلى ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط ، فقالوا : يا ابن عباس ، إما أن تقوم معنا وإما أن يخلونا هؤلاء . فقال : بل أقوم معكم . قال : وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى ، قال : وابتدءوا فتحدثوا فلا ندري ما قالوا . قال : فجاء ينفض ثوبه ويقول : أف وتف ، وقعوا في رجل له عشر ، وقعوا في رجل قال له النبي صلى الله عليه وسلم " لأبعثن رجلا لا يخزيه الله أبدا ، يحب الله ورسوله " . قال : فاستشرف لها من استشرف ، قال : " أين علي ؟ " قالوا : هو في الرحا يطحن . قال : وما كان أحدكم ليطحن قال : فجاء وهو أرمد لا يكاد أن يبصر ، فنفث في عينيه ، ثم هز الراية ثلاثا ، فأعطاه إياها ، فجاء بصفية بنت حيي بن أخطب . قال ثم بعث فلانا بسورة " التوبة " ، فبعث عليا خلفه ، فأخذها منه ، قال : " لا يذهب بها إلا رجل مني وأنا منه " . قال : [ ص: 44 ] وقال النبي صلى الله عليه وسلم لبني عمه " أيكم يواليني في الدنيا والآخرة ؟ " فأبوا . قال : وعلي معه جالس ، فقال علي : أنا أواليك في الدنيا والآخرة . قال : " أنت وليي في الدنيا والآخرة " . قال : فتركه ، ثم أقبل على رجل منهم ، فقال : " أيكم يواليني في الدنيا والآخرة ؟ " فأبوا ، فقال علي : أنا أواليك في الدنيا والآخرة . فقال : " أنت وليي في الدنيا والآخرة " . قال : وكان أول من أسلم من الناس بعد خديجة . قال ( وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه ، فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين ، فقال إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا [ الأحزاب : 18 ] . قال : وشرى علي نفسه ; لبس ثوب النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم نام مكانه . قال : وكان المشركون يرومون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء أبو بكر وعلي نائم ، وأبو بكر يحسب أنه نبي الله ، فقال : يا نبي الله . فقال له علي : إن نبي الله قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه . قال : فانطلق أبو بكر ، فدخل معه الغار . قال : وجعل علي يرمى بالحجارة كما كان يرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتضور ، وقد لف رأسه في الثوب ، لا يخرجه حتى أصبح ، ثم كشف عن رأسه ، فقالوا : إنك لئيم ، كان صاحبك نرميه فلا يتضور ، وأنت تتضور ، وقد استنكرنا ذلك . قال : وخرج يعني ، رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بالناس في غزوة تبوك فقال له علي : أخرج معك ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " لا " . فبكى علي ، فقال : " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي ، إنه لا ص: 45 ] ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي " قال : وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنت وليي في كل مؤمن بعدي " . قال : وسد أبواب المسجد غير باب علي . قال : فيدخل المسجد جنبا ، وهو طريقه ليس له طريق غيره . قال : وقال" من كنت مولاه فإن مولاه علي " قال : وأخبرنا الله في القرآن أنه قد رضي عن أصحاب الشجرة فعلم ما في قلوبهم ، فهل حدثنا أنه سخط عليهم بعد ؟ ! قال : وقال نبي الله صلى الله عليه وسلم لعمر حين قال : ائذن لي لأضرب عنقه . يعني حاطب بن أبي بلتعة قال : " وكنت فاعلا ؟ ! وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " وقد روى الترمذي بعضه من طريق شعبة ، عن أبي بلج يحيى بن أبي سليمواستغربه ، وأخرج النسائي بعضه أيضا عن محمد بن المثنى ، عن يحيى بن حماد به .

رواية عمران : قال البخاري في " التاريخ " : ثنا عمر بن عبد الوهاب الرياحي ، ثنا معتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن منصور ، عن ربعي ، عنعمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لأدفعن الراية إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله " . فبعث إلى علي وهو أرمد ، فتفل ص: 46 ] في عينيه وأعطاه الراية ، فما رد وجهه حتى فتح الله عليه ، وما اشتكاهما بعد " . ورواه أبو القاسم البغوي ، عن إسحاق بن إبراهيم أبي موسى الهروي ، عن علي بن هاشم ، عن محمد بن علي ، عن منصور ، عن ربعي ، عن عمران ، فذكره ، وأخرجه النسائي عن عباس العنبري ، عن عمر بن عبد الوهاب به .

رواية أبي سعيد : في ذلك قال الإمام أحمد : حدثنا مصعب بن المقدام وحجين بن المثنى ، قالا : ثنا إسرائيل ، ثنا عبد الله بن عصمة قال : سمعت أبا سعيد الخدري يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الراية فهزها ثم قال : " من يأخذها بحقها ؟ " فجاء فلان فقال : أنا . فقال : " أمط " . ثم جاء رجل آخر ، فقال : أنا . فقال : " أمط " . ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : " والذي أكرم وجه محمد لأعطينها رجلا لا يفر " . فجاء علي ، فانطلق حتى فتح الله عليه خيبر وفدك ، وجاء بعجوتهما وقديدهما .

ورواه أبو يعلى عن حسين بن محمد ، عن إسرائيل ، وقال في سياقه : [ ص: 47 ] فجاء الزبير فقال : أنا . فقال : " أمط " . ثم جاء آخر فقال : " أمط " . وذكره ، تفرد به أحمد .

رواية علي بن أبي طالب في ذلك : قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن ابن أبي ليلى عن المنهال ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : كان أبي يسمر مع علي ، وكان علي يلبس ثياب الصيف في الشتاء وثياب الشتاء في الصيف ، فقيل له : لو سألته . فسأله ، فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلي وأنا أرمد العين يوم خيبر فقلت : يا رسول الله ، إني أرمد العين . فتفل في عيني وقال : " اللهم أذهب عنه الحر والبرد " فما وجدت حرا ولا بردا منذ يومئذ ، وقال : " لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ليس بفرار " فتشرف لها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأعطانيها . تفرد به أحمد . وقد رواه غير واحد عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن المنهال ، زاد بعضهم : والحكم بن عتيبة . ورواه غير واحد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه ، عن علي به مطولا .

وقال أبو يعلى : حدثنا زهير ، ثنا جرير عن مغيرة ، عن أم موسى ، قالت : سمعت عليا يقول : ما رمدت ولا صدعت منذ مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهي وتفل في عيني يوم خيبر وأعطاني الراية . [ ص: 48 ]

رواية سعد بن أبي وقاص في ذلك : ثبت في " الصحيحين " من حديث شعبة ، عن سعد بن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه ، عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ؟ " .

قال أحمد ومسلم والترمذي : حدثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا حاتم بن إسماعيل ، عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال : أمرمعاوية بن أبي سفيان سعدا ، فقال : ما يمنعك أن تسب أبا تراب ؟ فقال : أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي - وخلفه في بعض مغازيه فقال له علي : يا رسول الله ، تخلفني مع النساء والصبيان ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي ؟ "وسمعته يقول يوم خيبر " لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله " . قال : فتطاولت لها . قال : " ادعوا لي عليا " . فأتي به أرمد ، فبصق في عينيه ، ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه ، ولما نزلت هذه الآية فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم [ آل عمران : 61 ] . دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال : " اللهم هؤلاء أهلي " ثم قال الترمذي : حسن صحيح . وقد رواه أحمد ومسلم [ ص: 49 ] والترمذي والنسائي من حديث سعيد بن المسيب عن سعد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " وقال الترمذي : ويستغرب من رواية سعيد عن سعد .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أحمد الزبيري ، ثنا عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت ، عن حمزة بن عبد الله ، عن أبيه - يعني عبد الله بن عمر - عن سعد قال : لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك خلف عليا ، فقال : أتخلفني ؟ قال " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ؟ " وهذا إسناد جيد ، ولم يخرجوه .

وقال أحمد : ثنا محمد بن جعفر ، ثنا شعبة ، عن سعد بن إبراهيم ، سمعت إبراهيم بن سعد يحدث عن سعد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قاللعلي : " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ " أخرجاه من حديث محمد بن جعفر به .

وقال أحمد : ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ، ثنا سليمان بن بلال ، حدثنا الجعيد بن عبد الرحمن الجعفي ، عن عائشة بنت سعد عن أبيها ، أن عليا [ص: 50 ] خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاء ثنية الوداع ، وعلي يبكي يقول : تخلفني مع الخوالف ؟ فقال " أو ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة ؟ " . وهذا إسناد صحيح أيضا ، ولم يخرجوه .

وقال الحسن بن عرفة العبدي : ثنا محمد بن حازم أبو معاوية الضرير ، عن موسى بن مسلم الشيباني ، عن عبد الرحمن بن سابط ، عن سعد بن أبي وقاص قال : قدم معاوية في بعض حجاته ، فأتاه سعد بن أبي وقاص فذكروا عليا ، فقال سعد : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له ثلاث خصال ، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من الدنيا وما فيها ، سمعته يقول " من كنت مولاه فعلي مولاه " . وسمعته يقول : " لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله " وسمعته يقول : " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " . إسناده حسن ، ولم يخرجوه .

وقال أبو زرعة الدمشقي : ثنا أحمد بن خالد الوهبي أبو سعيد ، ثنا محمد بن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن أبيه قال : لما حج معاوية أخذ بيد سعد بن أبي وقاص فقال : يا أبا إسحاق ، إنا قوم قد أجفانا هذا الغزو عن الحج حتى [ ص: 51 ] كدنا أن ننسى بعض سننه ، فطف نطف بطوافك . قال : فلما فرغ أدخله دار الندوة ، فأجلسه معه على سريره ، ثم ذكر علي بن أبي طالب فوقع فيه ، فقال : أدخلتني دارك ، وأجلستني على سريرك ، ثم وقعت في علي تشتمه ؟ ! والله لأن يكون في إحدى خلاله الثلاث أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، ولأن يكون لي ما قال له حين غزاتبوك " ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ؟ " . أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ، ولأن يكون لي ما قال له يومخيبر " لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، يفتح الله على يديه ، ليس بفرار " . أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ، ولأن أكون صهره على ابنته ، ولي منها من الولد ما له أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، لا أدخل عليك دارا بعد هذا اليوم . ثم نفض رداءه ثم خرج .

وقال أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، ثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مصعب بن سعد ، عن سعد بن أبي وقاص قال خلف رسول الله صلى الله عليه وسلمعلي بن أبي طالب فقال : يا رسول الله ، تخلفني في النساء والصبيان ؟ قال : " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ؟ " . إسناده على شرطهما ، ولم يخرجاه . وهكذا رواه أبو عوانة ، عن الأعمش عن الحكم عن مصعب ، عن أبيه . ورواه أبو داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن عاصم ، عن مصعب ، عن أبيه . فالله أعلم . وقد رواه غير واحد عن عائشة بنت سعد عن أبيها .

ص: 52 ] قال الحافظ بن عساكر : وقد روى هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة ; منهم عمر ، وعلي ، وابن عباس، وعبد الله بن جعفر ، ومعاوية ، وجابر بن عبد الله ، وجابر بن سمرة ، وأبو سعيد ، والبراء بن عازب ، وزيد بن أرقم ، وزيد بن أبي أوفى ، ونبيط بن شريط ، وحبشي بن جنادة ، ومالك بن الحويرث ، وأنس بن مالك ، وأبو الفيل ، وأم سلمة ، وأسماء بنت عميس ، وفاطمة بنت حمزة . وقد تقصىالحافظ بن عساكر هذه الأحاديث في ترجمة علي في " تاريخه " فأجاد وأفاد ، وبرز على النظراء والأشباه والأنداد ، رحمه رب العباد يوم التناد .

رواية عمر ، رضي الله عنه ، في ذلك : قال أبو يعلى الموصلي : حدثنا عبيد الله بن عمر ، ثنا عبد الله بن جعفر ، أخبرني سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال عمر : لقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال ، لأن تكون لي خصلة منها أحب إلي من حمر النعم . قيل : وما هن يا أمير المؤمنين ؟ قال : تزويجه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسكناه المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا يحل لي فيه ما يحل له ، والراية يوم خيبر . وقد روي عن عمر من غير وجه .

رواية ابن عمر ، رضي الله عنهما : روى الإمام أحمد عن وكيع ، عن هشام بن سعد ، عن عمر بن أسيد ، عن ابن عمر قال : كنا نقول في زمان رسول [ ص: 53 ] الله صلى الله عليه وسلم : رسول الله خير الناس ، ثم خير الناس ، أبو بكر ، ثم عمر ، ولقد أوتي ابن أبي طالب ثلاثا لأن أكون أعطيتهن أحب إلي من حمر النعم . فذكر هذه الثلاث .

وقد روى أحمد والترمذي من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي : " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ؟ " . ورواه أحمد من حديث عطية ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " . ورواه الطبراني من طريق عبد العزيز بن حكيم ، عن ابن عمر مرفوعا . ورواه سلمة بن كهيل ، عنعامر بن سعد ، عن أبيه وعن أم سلمة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي : " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ؟ " . قال سلمة : وسمعت مولى لبني موهبة يقول : سمعت ابن عباس يقول : قال النبي صلى الله عليه وسلم . مثله .

============زويج علي فاطمة الزهراء ، رضي الله عنهما 

قال سفيان الثوري ، عن ابن أبي نجيح ، عن أبيه : سمع رجل عليا على منبر الكوفة يقول : أردت أن أخطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته ، ثم ذكرت أن لا ص: 54 ] شيء لي ، ثم ذكرت عائدته وصلته ، فخطبتها ، فقال : " هل عندك شيء ؟ " قلت : لا . قال : " فأين درعك الحطمية التي أعطيتك يوم كذا وكذا ؟ " قلت : عندي . قال : " فأعطها " . فأعطيتها فزوجني ، فلما كان ليلة دخلت عليها قال : " لا تحدثا شيئا حتى آتيكما " . قال : فأتانا وعلينا قطيفة أو كساء فتحشحشنا ، فقال : " مكانكما " . ثم دعا بقدح من ماء ، فدعا فيه ، ثم رشه علي وعليها ، فقلت : يا رسول الله ، أنا أحب إليك أم هي ؟ قال : " هي أحب إلي ، وأنت أعز علي منها " . وقد روى النسائي من طريق عبد الكريم بن سليط ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، فذكره بأبسط من هذا السياق ، وفيه أنه أولم عليها بكبش من عند سعد ، وآصع من الذرة من عند جماعة من الأنصار ، وأنه دعا لهما بعد ما صب عليهما الماء ، فقال : اللهم بارك فيهما ، وبارك عليهما ، وبارك لهما في شملهما " . يعني الجماع .

وروى محمد بن كثير ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : لما خطب علي فاطمة دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها : " أي بنية ، إن ابن عمك عليا قد خطبك ، فماذا تقولين ؟ " فبكت ثم قالت : كأنك يا أبت إنما دخرتني لفقير قريش . فقال : " والذي بعثني بالحق ما ص: 55 ] تكلمت في هذا حتى أذن الله لي فيه من السماء " . فقالت فاطمة : رضيت بما رضي الله لي ورسوله . فخرج من عندها ، واجتمع المسلمون إليه ، ثم قال : " يا علي ، اخطب لنفسك " . فقال علي : الحمد لله الذي لا يموت ، وهذا محمد رسول الله زوجني ابنتهفاطمة على صداق مبلغه أربعمائة درهم ، فاسمعوا ما يقول واشهدوا . قالوا : ما تقول يا رسول الله ؟ قال : " أشهدكم أني قد زوجته " . رواه ابن عساكر ، وهو حديث منكر . وقد ورد في هذا الفصل أحاديث كثيرة منكرة وموضوعة أضربنا عنها ; لئلا يطول الكتاب بها ، وقد أورد منها الحافظ ابن عساكر طرفا جيدا في " تاريخه " مع ضعفهما ووضعها .

وروى وكيع عن أبي خالد ، عن الشعبي قال : قال علي : ما كان لنا إلا إهاب كبش ننام على ناحيته وتعجن فاطمة على ناحيته . وفي رواية مجالد عنالشعبي : ونعلف عليه الناضح بالنهار ، وما لي خادم عليها غيرها .

حديث آخر : قال أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، ثنا عوف ، عن ميمون أبي عبد الله ، عن زيد بن أرقم قال : كان لنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبواب شارعة في المسجد . قال : فقال يوما : " سدوا هذه الأبواب إلا باب علي " . قال : فتكلم في ذلك أناس ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله تعالى وأثنى عليه ، ثم قال : " أما بعد ، فإني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي ، ص: 56 ] فقال فيه قائلكم ، وإني والله ما سددت شيئا ولا فتحته ، ولكن أمرت بشيء فاتبعته " . وقد رواه أبو الأشهب عن عوف ، عن ميمون ، عن البراء بن عازب فذكره . وقد تقدم ما رواهأحمد والنسائي من حديث أبي عوانة ، عن أبي بلج ، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن عباس . الحديث الطويل ، وفيه سد الأبواب غير باب علي . وكذا رواه شعبة عن أبي بلج ، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن عباس .

ورواه سعد بن أبي وقاص قال أحمد : ثنا حجاج ، ثنا فطر ، عن عبد الله بن شريك ، عن عبد الله بن الأرقم الكناني قال : خرجنا إلى المدينة زمن الجمل فلقينا سعد بن مالك بها فقال : ( أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي تفرد به أحمد .

طريق أخرى عن سعد : قال أبو يعلى : ثنا موسى بن محمد بن حيان ، ثنا محمد بن إسماعيل بن جعفر الطحان ، ثنا غسان بن بشر الكاهلي ، عن مسلم، عن خيثمة ، عن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سد أبواب الناس في المسجد وفتح باب علي ، فقال الناس في ذلك ، فقال : " ما أنا فتحته ، ولكن الله ص: 57 ] فتحه " . وهذا لا ينافي ما ثبت في " صحيح البخاري " من أمره عليه الصلاة والسلام ، في مرضه الذي مات فيه بسد الأبواب الشارعة إلى المسجد إلا باب أبي بكر الصديق ; لأن نفي هذا في حق علي كان في حال حياته لاحتياج فاطمة إلى المرور من بيتها إلى بيت أبيها ، فجعل هذا رفقا بها ، وأما بعد وفاته فزالت هذه العلة ، فاحتيج إلى فتح باب الصديق لأجل خروجه إلى المسجد ليصلي بالناس إذ كان الخليفة عليهم بعد موته ، عليه الصلاة والسلام ، وفيه إشارة إلى خلافته .

وقال الترمذي : ثنا علي بن المنذر ، ثنا ابن فضيل ، عن سالم بن أبي حفصة ، عن عطية ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلملعلي : " يا علي ، لا يحل لأحد يجنب في المسجد غيري وغيرك " . قال علي بن المنذر : قلت لضرار بن صرد : ما معنى هذا الحديث ؟ قال : لا يحل لأحد يستطرقه جنبا غيري وغيرك . ثم قال الترمذي : وهذا حديث حسن غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وقد سمع محمد بن إسماعيل مني هذا الحديث فاستغربه . وقد رواه ابن عساكر من طريق كثير النواء ، عن عطية ، عن أبي سعيد به ، ثم أورده من طريق أبي نعيم ، ثنا عبد الملك بن أبي غنية ، عن أبي الخطاب عمر الهجري ، [ ص: 58 ] عن محدوج ، عن جسرة بنت دجاجة ، أخبرتني أم سلمة قالت : خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيته حتى انتهى إلى صرحة المسجد ، فنادى بأعلى صوته : " أنه لا يحل المسجد لجنب ولا لحائض إلا لمحمد وأزواجه وعلي وفاطمة بنت محمد ، ألا هل بينت لكم الأسماء أن تضلوا " . وهذا إسناد غريب ، وفيه ضعف ، ثم ساقه من حديث أبي رافع بنحوه ، وفي إسناده غرابة أيضا .

حديث آخر قال الحاكم وغير واحد ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، عن بريدة بن الحصيب قال غزوت مع علي إلى اليمن ، فرأيت منه جفوة فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكرت عليا فتنقصته ، فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير ، فقال : " يا بريدة ، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ " فقلت : بلى يا رسول الله . فقال : " من كنت مولاه فعلي مولاه " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا ابن نمير ، ثنا الأجلح الكندي ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه بريدة قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثين إلىاليمن ; على أحدهما علي بن أبي طالب وعلى الأخرى خالد بن الوليد ، وقال : " إذا التقيتما فعلي على الناس ، وإن افترقتما فكل واحد منكما على جنده " . قال : فلقينا بنى زيد من أهل اليمن ، فاقتتلنا ، فظهر المسلمون على المشركين ، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية ، فاصطفى علي امرأة من السبي لنفسه . قال بريدة : فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بذلك ، فلما أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دفعت إليه [ص: 59 ] الكتاب ، فقرئ عليه ، فرأيت الغضب في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله ، هذا مكان العائذ ، بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه ، فبلغت ما أرسلت به . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقع في علي ; فإنه مني وأنا منه ، وهو وليكم بعدي " . هذه اللفظة منكرة والأجلح شيعي ، ومثله لا يقبل إذا تفرد بمثلها ، وقد تابعه فيها من هو أضعف منه . والله أعلم . والمحفوظ في هذا رواية أحمد ، عنوكيع ، عن الأعمش عن سعد بن عبيدة ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كنت وليه فعلي وليه " .ورواه أحمد أيضا والحسن بن عرفة ، عن أبي معاوية ، عن الأعمش به . ورواه النسائي ، عن أبي كريب ، عن أبي معاوية به .

وقال أحمد : حدثنا روح ، عن علي بن سويد بن منجوف ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا إلى خالد بن الوليد ليقبض الخمس . قال : فأصبح ورأسه يقطر ، فقال خالد لبريدة : ألا ترى ما يصنع هذا ؟ قال : فلما رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته ما صنع علي . قال : وكنت أبغض عليا ، فقال : " يا بريدة ، أتبغض عليا ؟ " فقلت : نعم . قال : " لا تبغضه وأحبه ; ص: 60 ] فإن له في الخمس أكثر من ذلك " . وقد رواه البخاري في " الصحيح " عن بندار ، عن روح به مطولا .

وقال أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد ، ثنا عبد الجليل قال : انتهيت إلى حلقة فيها أبو مجلز وابن بريدة ، فقال عبد الله بن بريدة : حدثني أبي بريدة قال أبغضت عليا بغضا لم أبغضه أحدا . قال : وأحببت رجلا من قريش لم أحبه إلا على بغضه عليا . قال : فبعث ذلك الرجل على خيل . قال : فصحبته ما أصحبه إلا على بغضه عليا . قال : فأصبنا سبيا . قال : فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : ابعث إلينا من يخمسه . فبعث إلينا عليا . قال : وفي السبي وصيفة هي من أفضل السبي ، فخمس وقسم ، فخرج ورأسه يقطر ، فقلنا : يا أبا الحسن ، ما هذا ؟ قال : ألم تروا إلى الوصيفة التي كانت في السبي ، فإني قسمت وخمست فصارت في الخمس ، ثم صارت في أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم صارت في آل علي ، فوقعت بها . قال : وكتب الرجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : ابعثني ؟ فبعثني مصدقا . قال : فجعلت أقرأ الكتاب وأقول : صدق . قال : فأمسك يدي والكتاب قال : " أتبغض عليا " قال : قلت : نعم . قال : " فلا تبغضه ، وإن كنت تحبه فازدد له حبا ، فوالذي نفسي بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة " . قال : فما كان من الناس أحد بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من علي . قال عبد الله : فوالذي لا إله غيره ما بيني وبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث غير أبي ، بريدة تفرد به أحمد . وقد روى غير واحد هذا الحديث عن أبي الجواب ، عن [ ص: 61 ] يونس بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، عن البراء بن عازب نحو رواية بريدة بن الحصيب ، وهذا غريب . وقد رواه الترمذي عن عبد الله بن أبي زياد ، عن أبي الجواب الأحوص بن جواب به . وقال : حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديثه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، ثنا جعفر بن سليمان ، حدثني يزيد الرشك ، عن مطرف بن عبد الله ، عن عمران بن حصين قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية ، وأمر عليها علي بن أبي طالب فأحدث شيئا في سفره ، فتعاهد أربعة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن يذكروا أمره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال عمران : وكنا إذا قدمنا من سفر بدأنا برسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمنا عليه . قال : فدخلوا عليه ، فقام رجل منهم فقال : يا رسول الله ، إن عليا فعل كذا وكذا . فأعرض عنه ، ثم قام الثاني فقال : يا رسول الله ، إن عليا فعل كذا وكذا . فأعرض عنه ، ثم قام الثالث فقال : يا رسول الله ، إن عليا فعل كذا وكذا . فأعرض عنه ، ثم قام الرابع فقال : يا رسول الله ، إن عليا فعل كذا وكذا . قال : فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرابع وقد تغير وجهه ، وقال : " دعوا عليا ، دعوا عليا ، إن عليا مني وأنا منه ، وهو ولي كل مؤمن بعدي " . وقد رواه الترمذي والنسائي ، عن قتيبة ، عن جعفر بن سليمان ، وسياق الترمذي [ ص: 62 ] مطول ، وفيه أنه أصاب جارية من السبي . ثم قال : حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان . ورواه أبو يعلى الموصلي ، عن عبيد الله بن عمر القواريري والحسن بن عمر بن شقيق الجرميوالمعلى بن مهدي ، كلهم عن جعفر بن سليمان به .

وقال خيثمة بن سليمان : حدثنا أحمد بن حازم ، أخبرنا عبيد الله بن موسى ، ثنا يوسف بن صهيب ، عن ركين ، عن وهب بن حمزة قال سافرت مععلي بن أبي طالب من المدينة إلى مكة فرأيت منه جفوة ، فقلت : لئن رجعت فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنالن منه . قال : فرجعت فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت عليا ، فنلت منه . فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقولن هذا لعلي ; فإن عليا وليكم بعدي " .

وقال أبو داود الطيالسي ، عن أبي عوانة ، عن أبي بلج ، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي : " أنت ولي كل مؤمن بعدي " . وقال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، ثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، [ ص: 63 ] حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم ، عن سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة ، عن عمته زينب بنت كعب - وكانت عند أبي سعيد الخدري - عن أبي سعيد قال اشتكى علياالناس ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبا فسمعته يقول : " أيها الناس ، لا تشكوا عليا ، فوالله إنه لأخشن في ذات الله " . أو " في سبيل الله " . تفرد به أحمد .

وقال الحافظ البيهقي : أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ، أنا أبو سهل بن زياد القطان ، ثنا أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق القاضي ، ثنا إسماعيل بن أبي أويس ، حدثني أخي ، عن سليمان بن بلال ، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ، عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة ، عن أبي سعيد قالبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى اليمن . قال أبو سعيد : فكنت فيمن خرج معه ، فلما أخذ من إبل الصدقة سألناه أن نركب منها ونريح إبلنا - وكنا قد رأينا في إبلنا خللا - فأبى علينا وقال : إنما لكم منها سهم كما للمسلمين . قال : فلما فرغ علي وانصفق من اليمن راجعا أمر علينا إنسانا ، فأسرع هو فأدرك الحج ، فلما قضى حجته قال له النبي صلى الله عليه وسلم : " ارجع إلى أصحابك حتى تقدم عليهم " . قال أبو سعيد : وقد كنا سألنا الذي استخلفه ما كان علي منعنا إياه ففعل ، فلما جاء علي عرف في إبل الصدقة أنها قد ركبت - رأى أثر المراكب - فذم الذي أمره ولامه ، فقلت : أما إن لله على إن قدمت المدينة لأذكرن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ص: 64 ] ولأخبرنه ما لقينا من الغلظة والتضييق . قال : فلما قدمنا المدينة غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد أن أذكر له ما كنت حلفت عليه ، فلقيت أبا بكر خارجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رآني وقف معي ورحب بي ، وساءلني وساءلته وقال : متى قدمت ؟ قلت : قدمت البارحة . فرجع معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخل فقال : هذا سعد بن مالك ابن الشهيد . قال : " ائذن له " . فدخلت فحييت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياني وسلم علي ، وساءلني عن نفسي وعن أهلي فأحفى المسألة ، فقلت : يا رسول الله ، ما لقينا من علي من الغلظة وسوء الصحبة والتضييق ؟ فانتبذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجعلت أنا أعدد ما لقينا منه ، حتى إذا كنت في وسط كلامي ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي ، وكنت منه قريبا ، وقال : " سعد بن مالك ابن الشهيد ، مه بعض قولك لأخيك علي ، فوالله لقد علمت أنه أخشن في سبيل الله " . قال : فقلت في نفسي : ثكلتك أمك سعد بن مالك ، ألا أراني كنت فيما يكره منذ اليوم وما أدري ، لا جرم والله لا أذكره بسوء أبدا سرا ولا علانية

وقال يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ، حدثني أبان بن صالح ، عن عبد الله بن نيار الأسلمي ، عن خاله عمرو بن شأس الأسلمي - وكان من أصحاب الحديبية - قال : كنت مع علي في خيله التي بعثه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ، فجفاني علي بعض الجفاء ، فوجدت عليه في نفسي ، فلما قدمت ص: 65 ] المدينة اشتكيته في مجالس المدينة وعند من لقيته ، فأقبلت يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ، فلما رآني أنظر إلى عينيه نظر إلي حتى جلست إليه ، فلما جلست قال : " أما إنه والله يا عمرو لقد آذيتني " . فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، أعوذ بالله والإسلام أن أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : " من آذى عليا فقد آذاني " . وقد رواه الإمام أحمد عن يعقوب ، عن أبيه إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، عن أبان بن صالح ، عن الفضل بن معقل ، عن عبد الله بن نيار ، عن خاله عمرو بن شأس ، فذكره . وكذا رواه غير واحد عن محمد بن إسحاق ، عن أبان ، عن الفضل .

وكذلك رواه سيف بن عمر عن عبد الله بن سعيد ، عن أبان بن صالح به ، ولفظه : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من آذى مسلما فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله " . وروى عباد بن يعقوب الرواجني عن موسى بن عمير ، عن عقيل بن نجدة بن هبيرة ، عن عمرو بن شأس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عمرو ، إنه من آذى عليا فقد آذاني " . وقال أبو يعلى : ثنا محمود بن خداش ، ثنا مروان بن معاوية ، ثنا قنان بن عبد الله النهمي ، ثنا مصعب بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال : كنت جالسا في المسجد أنا ورجلان معي ، فنلنا من علي ، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف في ص: 66 ] وجهه الغضب ، فتعوذت بالله من غضبه فقال : " ما لكم وما لي ! من آذى عليا فقد آذاني " . 

حديث غدير خم : قال الإمام أحمد : حدثنا حسين بن محمد وأبو نعيم ، المعنى ، قالا : ثنا فطر ، عن أبي الطفيل قال : جمع علي الناس في الرحبة ، ثم قال لهم : أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام . فقام ثلاثون من الناس - قال أبو نعيم : فقام ناس كثير - فشهدوا حين أخذ بيده ، فقال للناس : " أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ " قالوا : نعم يا رسول الله . قال : " من كنت مولاه فهذا مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " . قال : فخرجت كأن في نفسي شيئا ، فلقيت زيد بن أرقم ، فقلت له : إني سمعت عليا يقول كذا وكذا . قال : فما تنكر ؟ قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك له ورواه النسائي من حديث حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي الطفيل عنه أتم من ذلك .

وقال أبو بكر الشافعي : ثنا محمد بن سليمان بن الحارث ، ثنا عبيد الله بن موسى ، ثنا أبو إسرائيل الملائي ، عن الحكم ، عن أبي سليمان المؤذن ، عن زيد بن أرقم أن عليا انتشد الناس : من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " ؟ فقام ستة عشر رجلا ، ص: 67 ] فشهدوا بذلك ، وكنت فيهم . 

وقال أبو يعلى وعبد الله بن أحمد في مسند أبيه : حدثنا القواريري ، ثنا يونس بن أرقم ، ثنا يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال :شهدت عليا في الرحبة يناشد الناس : أنشد الله من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم : " من كنت مولاه فعلي مولاه " . لما قام فشهد . قال عبد الرحمن : فقام اثنا عشر بدريا ، كأني أنظر إلى أحدهم عليه سراويل ، فقالوا : نشهد أنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم : " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجي أمهاتهم ؟ " قلنا : بلى يا رسول الله . قال : " فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " .

ثم رواه عبد الله بن أحمد ، عن أحمد بن عمر الوكيعي ، عن زيد بن الحباب ، عن الوليد بن عقبة بن نزار ، عن سماك بن عبيد بن الوليد العنسي ، عنعبد الرحمن بن أبي ليلى ، فذكره ، قال فقام اثنا عشر رجلا فقالوا : قد رأيناه وسمعناه حين أخذ بيده يقول : " اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله " . وهكذا رواه أبو داود الطهوي ، واسمه عيسى بن مسلم ، عن عمرو بن عبد الله بن هند الجملي وعبد الأعلى بن عامر الثعلبي ، كلاهما ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، فذكره بنحوه . قال الدارقطني : غريب تفرد به عنهما أبو داود الطهوي .

ص: 68 ] وقال الطبراني : ثنا أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن كيسان المديني سنة تسعين ومائتين ، حدثنا إسماعيل بن عمرو البجلي ، ثنا مسعر ، عن طلحة بن مصرف ، عن عميرة بن سعد قال : شهدت عليا على المنبر يناشد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم يقول ما قال ؟ فقام اثنا عشر رجلا ، منهم أبو هريرة وأبو سعيد وأنس بن مالك ، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " . ورواه أبو العباس بن عقدة الحافظ الشيعي ، عن الحسن بن علي بن عفان العامري ، عن عبيد الله بن موسى ، عن فطر ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو ذي مر وسعيد بن وهب وعن زيد بن يثيع قالوا : سمعناعليا يقول في الرحبة . فذكر نحوه ، فقام ثلاثة عشر رجلا ، فشهدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وأحب من أحبه وأبغض من أبغضه ، وانصر من نصره واخذل من خذله " . قال أبو إسحاق حين فرغ من هذا الحديث : ياأبا بكر ، أي أشياخ هم ! وكذلك رواه عبد الله بن أحمد ، عن علي بن حكيم الأودي ، عن شريك ، عن أبي إسحاق ، فذكر نحوه .

وقال عبد الرزاق ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن وهب [ ص: 69 ] وعبد خير قالا : ( سمعنا عليا برحبة الكوفة يقول : أنشد الله من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من كنت مولاه فعلي مولاه " . فقام عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، ثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، سمعت سعيد بن وهب قال : نشد علي الناس ، فقام خمسة أو ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فشهدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من كنت مولاه فعلي مولاه " .

وقال أحمد : حدثنا يحيى بن آدم ثنا حنش بن الحارث بن لقيط الأشجعي ، عن رياح بن الحارث قال : جاء رهط إلى علي بالرحبة فقالوا : السلام عليك يا مولانا . فقال : كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب ؟ قالوا : سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم يقول : " من كنت مولاه فإن هذا مولاه " . قال : رياح : فلما مضوا اتبعتهم فسألت : من هؤلاء ؟ قالوا : نفر من الأنصار ، فيهم أبو أيوب الأنصاري .

وقال أبو بكر بن أبي شيبة : ثنا شريك ، عن حنش ، عن رياح بن الحارث قال : بينا نحن جلوس في الرحبة مع علي إذ جاء رجل عليه أثر السفر فقال : السلام عليك يا مولاي . فقال : من هذا ؟ فقال : أبو أيوب ، سمعت ص: 70 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من كنت مولاه فعلي مولاه " .

وقال أحمد : ثنا محمد بن عبد الله ، ثنا الربيع - يعني ابن أبي صالح الأسلمي - حدثني زياد بن أبي زياد الأسلمي ، سمعت علي بن أبي طالب ينشد الناس فقال : أنشد الله رجلا مسلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم ما قال . فقام اثنا عشر بدريا فشهدوا . 

وقال أحمد : حدثنا ابن نمير ، ثنا عبد الملك ، عن أبي عبد الرحمن الكندي ، عن زاذان أبي عمر قال : سمعت عليا في الرحبة وهو ينشد الناس : من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم وهو يقول ما قال ؟ فقام ثلاثة عشر رجلا ، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من كنت مولاه فعلي مولاه " .

وقال عبد الله بن أحمد : ثنا حجاج بن الشاعر ، ثنا شبابة ، ثنا نعيم بن حكيم ، حدثني أبو مريم ورجل من جلساء علي ، عن علي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم غدير خم : " من كنت مولاه فعلي مولاه " . قال : فزاد الناس بعد : " اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " . وقد روي هذا من طرق متعددة عن علي ، رضي الله عنه ، وله طرق متعددة عن زيد بن أرقم .

ص: 71 ] وقال غندر ، عن شعبة ، عن سلمة بن كهيل ، سمعت أبا الطفيل يحدث عن أبي سريحة أو زيد بن أرقم - شعبة الشاك - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كنت مولاه فعلي مولاه " . قال سعيد بن جبير : وأنا قد سمعته قبل هذا من ابن عباس . رواه الترمذي ، عن بندار ، عن غندر ، وقال : حسن غريب .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، ثنا أبو عوانة ، عن المغيرة ، عن أبي عبيد ، عن ميمون أبي عبد الله قال : قال زيد بن أرقم وأنا أسمع : نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بواد يقال له : وادي خم . فأمر بالصلاة فصلاها بهجير . قال : فخطبنا وظلل لرسول الله صلى الله عليه وسلم بثوب على شجرة سمر من الشمس ، فقال : " ألستم تعلمون - أو : ألستم تشهدون - أني أولى بكل مؤمن من نفسه ؟ " قالوا : بلى . قال : " فمن كنت مولاه فإن عليا مولاه ، اللهم عاد من عاداه ووال من والاه " . وكذا رواه أحمد ، عن غندر ، عن شعبة ، عن ميمون أبي عبد الله ، عن زيد بن أرقم . وقد رواه عن زيد بن أرقم جماعة ، منهم ; أبو إسحاق السبيعي ، وحبيب الإسكاف ، وعطية العوفي ، وأبو عبد الله الشامي ، وأبو الطفيل عامر بن واثلة .

وقد رواه معروف بن خربوذ ، عن أبي الطفيل ، عن حذيفة بن أسيد قال : [ ص: 72 ] لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع نهى أصحابه عن شجرات بالبطحاء متقاربات أن ينزلوا حولهن ، ثم بعث إليهن فصلى تحتهن ، ثم قام فقال : " أيها الناس ، قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا مثل نصف عمر الذي من قبله ، وإني لأظن أن يوشك أن أدعى فأجيب ، وإني مسئول وأنتم مسئولون ، فماذا أنتم قائلون ؟ " قالوا : نشهد أنك قد بلغت ونصحت وجهدت ، فجزاك الله خيرا . قال : " ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن جنته حق ، وأن ناره حق ، وأن الموت حق ، وأن البعث بعد الموت حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ؟ " قالوا : بلى نشهد بذلك . قال : " اللهم اشهد " . ثم قال : " يا أيها الناس ، إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، من كنت مولاه فهذا مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " . ثم قال : " أيها الناس ، إني فرطكم وإنكم واردون على الحوض ، حوض أعرض مما بين بصرى وصنعاء ، فيه آنية عدد النجوم ، قدحان من فضة ، وإني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ; الثقل الأكبر كتاب الله ، سبب طرفه بيد الله عز وجل وطرف بأيديكم ، فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا ، وعترتي أهل بيتي ; فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض " . رواه ابن عساكر بطوله من طريق معروف كما ذكرنا .

وقال عبد الرزاق : أنا معمر ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن عدي بن ص: 73 ] ثابت ، عن البراء بن عازب قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا غدير خم فبعث مناديا ينادي ، فلما اجتمعنا قال : " ألست أولى بكم من أنفسكم ؟ " قلنا : بلى يا رسول الله . قال : " ألست أولى بكم من أمهاتكم ؟ " . قلنا : بلى يا رسول الله . قال : " ألست أولى بكم من آبائكم ؟ " قلنا : بلى يا رسول الله . قال : " ألست ، ألست ، ألست ؟ " قلنا : بلى يا رسول الله . قال : " من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " . فقال عمر بن الخطاب : هنيئا لك يا بن أبي طالب ، أصبحت اليوم ولي كل مؤمن . وكذا رواه ابن ماجه من حديث حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد بن جدعان . ورواه أبو يعلى عن هدبة بن خالدوإبراهيم بن الحجاج السامي ، عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد وأبي هارون العبدي ، عن عدي بن ثابت ، عن البراء به . وهكذا رواه موسى بن عثمان الحضرمي عن أبي إسحاق ، عن البراء به .

وقد روي هذا الحديث عن سعد وطلحة بن عبيد الله ، وجابر بن عبد الله ، وله طرق عنه ، وأبي سعيد الخدري وحبشي بن جنادة وجرير بن عبد اللهوعمر بن الخطاب ، وأبي هريرة وله عنه طرق ، منها - وهي أغربها - الطريق التي قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي : ثنا عبد الله بن علي بن محمد بن بشران ، [ ص: 74 ] أنا علي بن عمر الحافظ ، أنا أبو نصر حبشون بن موسى بن أيوب الخلال ، ثنا علي بن سعيد الرملي ، ثنا ضمرة بن ربيعة القرشي ، عن ابن شوذب ، عن مطر الوراق ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة قال : من صام يوم ثماني عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهرا ، وهو يوم غدير خم لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد علي بن أبي طالب فقال : " ألست ولي المؤمنين ؟ " قالوا : بلى يا رسول الله . قال : " من كنت مولاه فعلي مولاه " . فقال عمر بن الخطاب بخ بخ لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم . فأنزل الله عز وجل اليوم أكملت لكم دينكم [ المائدة : 3 ] . ومن صام يوم سبعة وعشرين من رجب كتب له صيام ستين شهرا ، وهو أول يوم نزل جبريل بالرسالة . قال : الخطيب : اشتهر هذا الحديث برواية حبشون ، وكان يقال : إنه تفرد به ، وقد تابعه عليه أحمد بن عبد الله بن العباس بن سالم بن مهران ، المعروف بابن النيري ، عن علي بن سعيد الشامي . قلت : وفيه نكارة من وجوه ، منها قوله : نزل فيه اليوم أكملت لكم دينكم - وقد ورد مثله من طريق أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري ولا يصح أيضا - وإنما نزل ذلك يوم عرفة ، كما ثبت في " الصحيحين " عن عمر بن الخطاب وقد تقدم . وقد روي عن جماعة من الصحابة غير من ذكرنا في قوله عليه الصلاة والسلام من كنت مولاه والأسانيد إليهم ضعيفة .

=======] حديث الطير : وهذا الحديث قد صنف الناس فيه ، وله طرق متعددة ، وفي كل منها نظر ، ونحن نشير إلى شيء من ذلك .

قال الترمذي : حدثنا سفيان بن وكيع ، ثنا عبيد الله بن موسى ، عن عيسى بن عمر ، عن السدي ، عن أنس قال : كان عند النبي صلى الله عليه وسلم طير فقال : " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير " . فجاء علي فأكل معه . ثم قال الترمذي : غريب ، لا نعرفه من حديث السدي إلا من هذا الوجه . قال : وقد روي من غير وجه عن أنس . وقد رواه أبو يعلى عن الحسن بن حماد ، عن مسهر بن عبد الملك ، عن عيسى بن عمر به .

وقال أبو يعلى : ثنا قطن بن بشير ، ثنا جعفر بن سليمان الضبعي ، ثنا عبد الله بن مثنى ، ثنا عبد الله بن أنس ، عن أنس بن مالك قال : أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم حجل مشوي بخبزه وصنابه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطعام " . فقالت عائشة : اللهم اجعله أبي . وقالت حفصة : اللهم اجعله أبي . وقال أنس : وقلت : اللهم اجعله سعد بن عبادة قال : أنس : فسمعت حركة بالباب ، فخرجت ، فإذا علي ، فقلت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم على حاجة . فانصرف ، ثم سمعت حركة بالباب ، فخرجت ص: 76 ] فإذاعلي بالباب . فقلت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم على حاجة . فانصرف ، ثم سمعت حركة بالباب ، فسلم علي ، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته ، فقال : " انظر من هذا ؟ " فخرجت فإذا هو علي ، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فقال : " ائذن له " . فدخل علي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم . " اللهم وإلي ، اللهم وإلي " . 

ورواه الحاكم في " مستدركه " ، عن أبي علي الحافظ ، عن محمد بن أحمد الصفار وحميد بن يونس الزيات ، كلاهما عن محمد بن أحمد بن عياض ، عن أبي غسان أحمد بن عياض بن أبي طيبة ، عن يحيى بن حسان ، عن سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد ، عن أنس ، فذكره . وهذا إسناد غريب . ثم قال الحاكم : هذا الحديث على شرط البخاري ومسلم . وهذا فيه نظر ، فإن أبا علاثة محمد بن أحمد بن عياض هذا غير معروف ، لكن روى هذا الحديث عنه جماعة عن أبيه ، وممن رواه عنه أبو القاسم الطبراني ، ثم قال : تفرد به عن أبيه . والله أعلم . قال الحاكم : وقد رواه عن أنس أكثر من ثلاثين نفسا . قال شيخنا الحافظ الكبير أبو عبد الله الذهبي : وصلهم بثقة يصح الإسناد إليه . ثم قال الحاكم : وصحت الرواية عن علي وأبي سعيدوسفينة . قال شيخنا أبو عبد الله : لا والله ما صح شيء من ذلك . ثم رواه الحاكم من طريق [ ص: 77 ] إبراهيم بن ثابت القصار - وهو مجهول - عنثابت البناني ، عن أنس قال : دخل محمد بن الحجاج ، فجعل يسب عليا ، فقال أنس : اسكت عن سب علي . فذكر الحديث مطولا ، وهو منكر سندا ومتنا ، ثم لم يورد الحاكم في " مستدركه " غير هذين الحديثين . وقد رواه ابن أبي حاتم عن عمار بن خالد الواسطي ، عن إسحاق الأزرق ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن أنس . وهذا أجود من إسناد الحاكم . ورواه عبد الله بن زياد أبو العلاء ، عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب عن أنس بن مالك قال : أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم طير مشوي فقال : " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير " . فذكر نحوه . ورواهمحمد بن مصفى ، عن حفص بن عمر ، عن موسى بن مسعود ، عن الحسن ، عن أنس فذكره . ورواه علي بن الحسن الشامي ، عن خليد بن دعلج ، عن قتادة ، عن أنس بنحوه . ورواه أحمد بن يزيد الورتنيسي عن زهير ، عن عثمان الطويل ، عن أنس ، فذكره . ورواه عبيد الله بن موسى ، عنسكين بن عبد العزيز ، عن ميمون أبي خلف ، حدثني أنس بن مالك . فذكره . قال الدارقطني : هذا حديث غريب من حديث ميمون ص: 78 ] أبي خلف ، تفرد به سكين بن عبد العزيز . ورواه الحجاج بن يوسف بن قتيبة ، عن بشر بن الحسين ، عن الزبير بن عدي ، عن أنس . ورواه أبو يعقوب إسحاق بن الفيض ، ثنا المضاء بن الجارود ، عن عبد العزيز بن زياد ، أن الحجاج بن يوسف دعا أنس بن مالك من البصرة فسأله عن علي بن أبي طالب ، فقال : أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم طائر ، فأمر به فطبخ وصنع فقال : " اللهم ائتني بأحب الخلق إلي يأكل معي " فذكره .

وقال الخطيب البغدادي : أنا الحسن بن أبي بكر ، أنا أبو بكر محمد بن العباس بن نجيح ، ثنا محمد بن القاسم النحوي أبو عبد الله ، ثنا أبو عاصم ، عنأبي الهندي ، عن أنس ، فذكره . ورواه الحكم بن محمد ، عن محمد بن سليم ، عن أنس بن مالك ، فذكره .

وقال أبو يعلى : حدثنا الحسن بن حماد الوراق ، ثنا مسهر بن عبد الملك بن سلع - ثقة - ثنا عيسى بن عمر ، عن إسماعيل السدي ، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عنده طائر فقال : " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير " . فجاء أبو بكر فرده ، ثم جاءعمر فرده ، ثم جاء عثمان فرده ، ثم جاء علي فأذن له .

ص: 79 ] وقال أبو العباس بن عقدة : ثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، ثنا يوسف بن عدي ، ثنا حماد بن المختار الكوفي ، ثنا عبد الملك بن عمير ، عن أنس بن مالك ، قال : أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم طائر ، فوضع بين يديه فقال : " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي " . قال : فجاء علي فدق الباب ، فقلت : من ذا ؟ فقال : أنا علي . فقلت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم على حاجة . حتى فعل ذلك ثلاثا ، فجاء الرابعة فضرب الباب برجله فدخل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما حبسك ؟ " فقال : قد جئت ثلاث مرات فيحبسني أنس . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما حملك على ذلك ؟ " قال : قلت : كنت أحب أن يكون رجلا من قومي . وقد رواه الحاكم النيسابوري عن عبدان بن يزيد ، عن يعقوب الدقاق ، عن إبراهيم بن الحسين الكسائي ، عن أبي توبة الربيع بن نافع ، عن حسين بن سليمان بن عبد الملك بن عمير ، عن أنس ، فذكره . ثم قالالحاكم : لم نكتبه إلا بهذا الإسناد . وساقه ابن عساكر من حديث الحارث بن نبهان ، عن إسماعيل - رجل من أهل الكوفة - عن أنس بن مالك ، فذكره . ومن حديث حفص بن عمر المهرقاني ، عن النجم بن بشير ، عن إسماعيل بن سليمان أخي إسحاق بن سليمان الرازي ، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء ، عن أنس ، فذكره . ومن حديث [ ص: 80 ] سليمان بن قرم ، عن محمد بن علي السلمي ، عن أبي حذيفة العقيلي ، عن أنس ، فذكره .

وقال أبو يعلى ثنا أبو هشام ، ثنا ابن فضيل ، ثنا مسلم الملائي ، عن أنس قال أهدت أم أيمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم طيرا مشويا ، فقال : " اللهم ائتني بمن تحبه يأكل معي من هذا الطير " . قال أنس : فجاء علي فاستأذن ، فقلت : هو على حاجته . فرجع ، ثم عاد فاستأذن فقلت : هو على حاجته . فرجع ، ثم عاد فاستأذن ، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم صوته ، فقال : " ائذن له " . فدخل وهو موضوع بين يديه ، فأكل منه وحمد الله . 

فهذه طرق متعددة عن أنس بن مالك ، كل منها فيه ضعف ومقال . وقال شيخنا أبو عبد الله الذهبي في جزء جمعه في هذا الحديث بعد ما أورد طرقا متعددة نحوا مما ذكرنا : ويروى هذا الحديث من وجوه باطلة أو مظلمة عن حجاج بن يوسف ، وأبي عصام خالد بن عبيد ، ودينار أبي مكيس ، وزياد بن محمد الثقفي ، وزياد العبسي ، وزياد بن المنذر ، وسعد بن ميسرة البكري ، وسليمان التيمي ، وسليمان بن علي الأمير ، وسلمة بن وردان ،وصباح بن محارب ، وطلحة بن مصرف ، وأبي الزناد ، وعبد الأعلى بن عامر ، وعمر بن راشد ، وعمر بن أبي حفص الثقفي الضرير ، وعمر بن سليم البجلي ، وعمر بن يحيى الثقفي ، وعثمان الطويل ، وعلي بن أبي رافع ، وعيسى بن طهمان ، وعطية العوفي ، وعباد بن عبد الصمد ، وعمار الدهني ، وعباس بن علي ، وفضيل بن غزوان ، وقاسم بن حبيب ، وكلثوم بن جبر ، ومحمد بن علي ص: 81 ] الباقر ، والزهري ، ومحمد بن عمرو بن علقمة ، ومحمد بن مالك الثقفي ، ومحمد بن جحادة ، وميمون بن مهران ، وموسى الطويل ، وميمون بن جابر السلمي ، ومنصور بن عبد الحميد ، ومعلى بن أنس ، وميمون أبي خلف الحراني ، وقيل : أبو خالد . ومطر أبي خالد ، ومعاوية بن عبد الله بن جعفر ، وموسى بن عبد الله الجهني ، ونافع مولى ابن عمر ، والنضر بن أنس بن مالك ، ويوسف بن إبراهيم ، ويونس بن خباب ، ويزيد بن سفيان ، ويزيد بن أبي حبيب ، وأبيالمليح ، وأبي الحكم ، وأبي داود السبيعي ، وأبي حمزة الواسطي ، وأبي حذيفة العقيلي وإبراهيم بن هدبة . ثم قال بعد أن ذكر الجميع : الجميع بضعة وتسعون نفسا ، أقربها غرائب ضعيفة ، وأردؤها طرق مختلفة مفتعلة ، وغالبها طرق واهية .

وقد روي من حديث سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو القاسم البغوي وأبو يعلى الموصلي : حدثنا القواريري ، ثنا يونس بن أرقم، ثنا مطير بن أبي خالد ، عن ثابت البجلي ، عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أهدت امرأة من الأنصار طائرين بين رغيفين إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن في البيت غيري وغير أنس ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بغدائه ، فقلت : يا رسول الله ، قد أهدت لك امرأة من الأنصار هدية . فقدمت الطائرين إليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإلى رسولك " . فجاء علي بن أبي طالب فضرب ص: 82 ] الباب ضربا خفيا ، فقلت : من هذا ؟ قال : أبو الحسن . ثم ضرب الباب ورفع صوته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من هذا ؟ " قلت علي بن أبي طالب قال : " افتح له " . ففتحت له ، فأكل معه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطيرين حتى فنيا . 

وروى عن ابن عباس ، فقال أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد : ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، ثنا حسين بن محمد ، ثنا سليمان بن قرم ، عنمحمد بن شعيب ، عن داود بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه ، عن جده ابن عباس قال : أتي النبي صلى الله عليه وسلم بطائر فقال : " اللهم ائتني برجل يحبه الله ورسوله " . فجاء علي ، فقال : " اللهم وإلي " .

وروي عن علي نفسه ، فقال عباد بن يعقوب : ثنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي قال :أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم طير يقال له : الحبارى فوضعت بين يديه ، وكان أنس بن مالك يحجبه ، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يده إلى الله ثم قال : " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير " . قال : فجاء علي فاستأذن ، فقال له أنس إن رسول الله - يعني - على حاجته ، فرجع ثم أعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء ، فرجع ثم دعا الثالثة ، فجاء علي فأدخله ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم وإلي " . فأكل معه ، فلما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج علي ، قال أنس : اتبعت عليا فقلت : يا أبا الحسن ، استغفر لي فإن لي إليك ذنبا ، وإن عندي ص: 83 ] بشارة . فأخبرته بما كان من النبي صلى الله عليه وسلم ، فحمد الله واستغفر لي ، ورضي عني ; أذهب ذنبي عنده بشارتي إياه . ومن حديث جابر بن عبد الله الأنصاري أورده ابن عساكر من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث ، عن ابن لهيعة ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر، فذكره بطوله ، وقد روي أيضا من حديث أبي سعيد الخدري وصححه الحاكم ، ولكن إسناده مظلم وفيه ضعفاء . وروي من حديث حبشي بن جنادة ، ولا يصح أيضا ، ومن حديث يعلى بن مرة ، والإسناد إليه مظلم ، ومن حديث أبي رافع نحوه وليس بصحيح بل طريقه مظلم .

وقد جمع الناس في هذا الحديث مصنفات مفردة ، منهم ; أبو بكر بن مردويه ، والحافظ أبو طاهر محمد بن أحمد بن حمدان ، فيما رواه شيخنا أبو عبد الله الذهبي ، ورأيت فيه مجلدا في جمع طرقه وألفاظه لأبي جعفر بن جرير الطبري المفسر صاحب " التاريخ " ، ثم وقفت على مجلد كبير في رده وتضعيفه سندا ومتنا للقاضي أبي بكر الباقلاني المتكلم . وبالجملة ففي القلب من صحة هذا الحديث نظر ، وإن كثرت طرقه ، والله أعلم .

حديث آخر في فضل علي ، رضي الله عنه : قال أبو بكر الشافعي : ثنا بشر بن موسى الأسدي ، ثنا زكريا بن عدي ، ثنا عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر بن عبد الله قال : خرجت مع رسول ص: 84 ] الله صلى الله عليه وسلم إلى امرأة من الأنصار في نخل لها يقال له : الأسواف . ففرشت لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت صور لها مرشوش ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الآن يأتيكم رجل من أهل الجنة " . فجاء أبو بكر ، ثم قال : " الآن يأتيكم رجل من أهل الجنة " . فجاء عمر ، ثم قال : " الآن يأتيكم رجل من أهل الجنة " . قال : فلقد رأيته مطأطئا رأسه من تحت الصور ، ثم يقول : " اللهم إن شئت جعلته عليا " . فجاء علي ، ثم إن الأنصارية ذبحت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة وصنعتها ، فأكل وأكلنا ، فلما حضرت الظهر قام يصلي وصلينا ، ما توضأ ولا توضأنا ، فلما حضرت العصر صلى ، وما توضأ ولا توضأنا . 

حديث آخر : قال أبو يعلى : حدثنا الحسن بن حماد الكوفي ، ثنا ابن أبي غنية ، عن أبيه ، عن الشيباني ، عن جميع بن عمير قال : دخلت مع أمي علىعائشة ، فسألتها عن علي فقالت : ما رأيت رجلا كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ، ولا امرأة كانت أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من امرأته . وقد رواه غير واحد من الشيعة عن جميع بن عمير به .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : ثنا يحيى بن أبي بكير ، ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبد الله الجدلي قال : دخلت على أم سلمة فقالت لي : [ص: 85 ] أيسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم ؟ فقلت : معاذ الله - أو : سبحان الله . أو كلمة نحوها - قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من سب عليا فقد سبني " .

وقد رواه أبو يعلى عن أبي خيثمة عن عبيد الله بن موسى ، عن عيسى بن عبد الرحمن البجلي - من بجلة من سليم - عن السدي ، عن أبي عبد الله الجدلي قال : قالت أم سلمة : أيسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم على المنابر ؟ قال : قلت : وأنى ذلك ؟ قالت : أليس يسب علي ومن أحبه ؟ فأشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحبه . وقد روي من غير هذا الوجه عن أم سلمة .

وقد ورد من حديثها وحديث جابر وأبي سعيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي : " كذب من زعم أنه يحبني ويبغضك " . ولكن أسانيدها كلها ضعيفة لا يحتج بها .

حديث آخر : قال عبد الرزاق : أنا الثوري ، عن الأعمش ، عن عدي بن ثابت ، عن زر بن حبيش قال : سمعت عليا يقول : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي صلى الله عليه وسلم إلي : " إنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق " . ورواه أحمد عن ابن نمير ووكيع ، عن الأعمش . وكذلك رواه أبو معاوية ، ومحمد بن فضيل ، وعبد الله بن داود الخريبي ، وعبيد الله بن ص: 86 ] موسى ، ومحاضر بن المورع ، ويحيى بن عيسى الرملي ، عن الأعمش ، به . وأخرجه مسلم في " صحيحه " عن وكيع وأبي معاوية ، عن الأعمش به . ورواه حسان بن حسان ، عن شعبة ، عنعدي بن ثابت ، عن زر ، عن علي ، فذكره ، وقد روي من غير وجه عن علي . وهذا الذي أوردناه هو الصحيح من ذلك . والله أعلم .

وقال الإمام أحمد : ثنا عثمان بن أبي شيبة ، ثنا محمد بن فضيل ، عن عبد الله بن عبد الرحمن أبي نصر ، حدثني مساور الحميري ، عن أمه قالت :سمعت أم سلمة تقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي : " لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق " وقد روي من غير هذا الوجه عن أم سلمة بلفظ آخر ، ولا يصح .

وروى ابن عقدة ، عن الحسن بن علي بن بزيع ، ثنا عمر بن إبراهيم ، ثنا سوار بن مصعب ، عن الحكم ، عن يحيى الجزار ، عن عبد الله بن مسعود ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من زعم أنه آمن بي وبما جئت به وهو يبغض ص: 87 ] عليا ، فهو كاذب ليس بمؤمن " . وهذا بهذا الإسناد مختلق لا يثبت . والله أعلم .

وقال الحسن بن عرفة : حدثني سعيد بن محمد الوراق ، عن علي بن الحزور ، سمعت أبا مريم الثقفي ، سمعت عمار بن ياسر يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لعلي : " طوبى لمن أحبك وصدق فيك ، وويل لمن أبغضك وكذب فيك " . وقد روي في هذا المعنى أحاديث كثيرة موضوعة لا أصل لها .

وقال غير واحد عن أبي الأزهر أحمد بن الأزهر ، ثنا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى علي فقال : " أنت سيد في الدنيا ، سيد في الآخرة ، من أحبك فقد أحبني ، وحبيبك حبيب الله ، ومن أبغضك فقد أبغضني ، وبغيضك بغيض الله ، والويل لمن أبغضك من بعدي " . وروى غير واحد أيضا عن الحارث بن حصيرة ، عن أبي صادق ، عن ربيعة بن ناجذ ، عنعلي قال : دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " إن فيك من عيسى مثلا ، أبغضته يهود حتى بهتوا أمه ، وأحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزل الذي ليس به " . قال علي : ألا وإنه يهلك في اثنان ; محب مطر يقرظني بما ليس ص: 88 ] في ، ومبغض يحمله شنآني على أن يبهتني ، ألا وإني لست بنبي ولا يوحى إلي ، ولكني أعمل بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما استطعت ، فما أمرتكم من طاعة الله فحق عليكم طاعتي فيما أحببتم وكرهتم . لفظ عبد الله بن أحمد .

قال يعقوب بن سفيان : ثنا يحيى بن عبد الحميد ، ثنا علي بن مسهر ، عن الأعمش ، عن موسى بن طريف ، عن عباية ، عن علي قال : أنا قسيم النار ، إذا كان يوم القيامة قلت : هذا لك وهذا لي . قال يعقوب : وموسى بن طريف ضعيف يحتاج إلى من يعدله ، وعباية أقل منه ، ليس حديثه بشيء . وذكر أن أبا معاوية لام الأعمش على تحديثه بهذا الحديث ، فقال له الأعمش : إذا نسيت فذكروني . ويقال : إن الأعمش إنما رواه على سبيل الاستهزاءبالروافض والتنقيص لهم في تصديقهم ذلك .

قلت : وما يتوهمه بعض العوام - بل هو مشهور بين كثير منهم - أن عليا هو الساقي على الحوض ، فليس له أصل ، ولم يجئ من طريق مرضي يعتمد عليه ، والذي ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يسقي الناس . وهكذا الحديث الوارد في أنه ليس أحد يأتي يوم القيامة راكبا إلا أربعة ; رسول الله صلى الله عليه وسلم على البراق ، وصالح على ناقته ، وحمزة على العضباء ، وعلي على ناقة من نوق الجنة رافعا صوته بالتهليل . ولا يصح شيء من هذه الوجوه ألبتة ، وهو من وضع [ ص: 89 ] الرافضة .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثني يحيى ، عن شعبة ، ثنا عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن سلمة ، عن علي قال : مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وجع ، وأنا أقول : اللهم إن كان أجلي قد حضر فأرحني ، وإن كان آجلا فارفعني ، وإن كان بلاء فصبرني . قال : " ما قلت ؟ " فأعدت عليه ، فضربني برجله وقال : " ما قلت ؟ " فأعدت عليه ، فقال : " اللهم عافه " أو : " اشفه " . قال : فما اشتكيت ذلك الوجع بعد . حديث آخر : قالمحمد بن مسلم بن وارة : ثنا عبيد الله بن موسى ، ثنا أبو عمر الأزدي ، عن أبي راشد الحبراني ، عن أبي الحمراء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى يحيى بن زكريا في زهده ، وإلى موسى في بطشه ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب " . وهذا حديث منكر جدا ، ولا يصح إسناده .
==============حديث رد الشمس له حتى صلى العصر ضعيف لا يصح ، قد ذكرناه في دلائل النبوة بأسانيده وألفاظه كما تقدم فأغنى عن إعادته . [ ص: 90 ]

حديث آخر : قال أبو عيسى الترمذي : حدثنا علي بن المنذر الكوفي ، ثنا محمد بن فضيل ، عن الأجلح ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا يوم الطائف فانتجاه ، فقال الناس : لقد طال نجواه مع ابن عمه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما انتجيته ولكن الله انتجاه " . ثم قال : هذا حديث حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديث الأجلح ، وقد رواه غير ابن فضيل عن الأجلح ، ومعنى قوله : " ولكن الله انتجاه " . أن الله أمرني أن أنتجي معه .

حديث آخر : قال الترمذي : ثنا محمد بن بشار ويعقوب بن إبراهيم وغير واحد ، ثنا أبو عاصم ، عن أبي الجراح ، عن جابر بن صبح ، حدثتني أمي أم شراحيل ، حدثتني أم عطية قالت : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا فيهم علي . قالت : فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو رافع يديه يقول : " اللهم لا تمتني حتى تريني عليا " . ثم قال : هذا حديث حسن غريب ، إنما نعرفه من هذا الوجه .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا علي بن عاصم قال : حصين أخبرنا عن هلال بن يساف ، عن عبد الله بن ظالم المازني قال : لما خرج معاوية من الكوفة استعمل المغيرة بن شعبة . قال : فأقام خطباء يقعون في علي . قال : وأنا إلى جنب سعيد بن زيد بن عمر بن نفيل . قال : فغضب ، فقام وأخذ بيدي فتبعته ، فقال : ألا ترى إلى هذا الرجل الظالم لنفسه الذي يأمر بلعن رجل من أهل الجنة ! وأشهد على التسعة أنهم من أهل الجنة ، ولو شهدت على العاشر لم ص: 91 ] آثم . قال : قلت : وما ذاك ؟ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اثبت حراء ، فليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد " . قال : قلت : من هم ؟ فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، والزبير ، وطلحة ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن مالك . قال : قلت : ومن العاشر ؟ قال : قال : أنا .

وينبغي أن يكتب هاهنا حديث أم سلمة المتقدم قريبا ، أنها قالت لأبي عبد الله الجدلي : أيسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم على المنابر ؟ الحديث ، رواه أحمد أيضا .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن آدم وابن أبي بكير قالا : ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن حبشي بن جنادة السلولي - وكان قد شهد حجة الوداع - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : علي مني وأنا منه ، ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي " . ثم رواه أحمد ، عن أبي أحمد الزبيري، عن إسرائيل .

حديث آخر : قال أحمد : حدثنا وكيع قال : قال إسرائيل : قال أبو إسحاق ، عن زيد بن يثيع ، عن أبي بكر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه ب " براءة " إلى أهل مكة : لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ، من كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة فأجله إلى مدته ، والله بريء من المشركين ورسوله . قال : فسار بها ثلاثا ، ثم قال لعلي : " الحقه ورد علي أبا بكر ، وبلغها أنت " . قال : فلما قدم أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى وقال : يا رسول الله ، حدث في شيء ؟ قال : " ما حدث فيك إلا ص: 92 ] خير ، ولكن أمرت أن لا يبلغه إلا أنا أو رجل من أهل بيتي " .

وقال عبد الله بن أحمد : حدثني محمد بن سليمان لوين ، ثنا محمد بن جابر ، عن سماك ، عن حنش ، عن علي قال : لما نزلت عشر آيات من " براءة " على النبي صلى الله عليه وسلم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر ، فبعثه بها ليقرأها على أهل مكة ثم دعاني ، فقال لي : " أدرك أبا بكر ، فحيث لحقته فخذ الكتاب منه ، فاذهب به إلى أهل مكة فاقرأه عليهم " . فلحقته بالجحفة فأخذت الكتاب منه ، ورجع أبو بكر فقال : يا رسول الله ، نزل في شيء ؟ قال : " لا ، ولكن جبريل جاءني فقال : لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك " . وقد رواه كثير النواء . عن جميع بن عمير ، عن ابن عمربنحوه ، وفيه نكارة من جهة أمره برد الصديق ; فإن الصديق لم يرجع ، بل كان هو أمير الحج في سنة تسع ، وكان علي هو وجماعة معه بعثهمالصديق يطوفون برحاب منى في يوم النحر وأيام التشريق ينادون ب " براءة " . وقد قررنا ذلك في حجة الصديق ، وفي أول تفسير سورة " براءة " .

حديث آخر : روي من حديث أبي بكر الصديق ، وعمر ، وعثمان بن عفان ، وعبد الله بن مسعود ، ومعاذ بن جبل ، وعمران بن حصين ، وأنس ،وثوبان ، وعائشة ، وأبي ذر ، وجابر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : النظر إلى وجه [ ص: 93 ] علي عبادة " . وفي حديث عائشة : " ذكر علي عبادة " . ولكن لا يصح شيء منها ; فإنه لا يخلو كل سند منها عن كذاب أو مجهول لا يعرف حاله ، وهو شيعي .
=================حديث الصدقة بالخاتم وهو راكع : قال الطبراني : ثنا عبد الرحمن بن محمد بن سلم الرازي ، ثنا محمد بن يحيى بن ضريس العبدي ، ثنا عيسى بن عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب ، حدثني أبي عن أبيه ، عن جده ، عن علي قال : نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون [ المائدة : 55 ] . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل المسجد والناس يصلون بين راكع وقائم ، وإذا سائل ، فقال : " يا سائل ، هل أعطاك أحد شيئا ؟ " فقال : لا ، إلا هاذاك الراكع - لعلي - أعطاني خاتمه .

وقال الحافظ بن عساكر : أنا خالي أبو المعالي القاضي ، أنا أبو الحسن الخلعي ، أنا أبو العباس أحمد بن محمد الشاهد ، ثنا أبو الفضل محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحارث الرملي ، ثنا القاضي جملة بن محمد ، ثنا أبو سعيد الأشج ، ثنا أبو نعيم الأحول ، عن موسى بن قيس ، عن سلمة قال :تصدق علي بخاتمه وهو راكع ، فنزلت : إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون . [ ص: 94 ] وهذا لا يصح بوجه من الوجوه ; لضعف أسانيده ، ولم ينزل في علي شيء من القرآن بخصوصيته ، وكل ما يوردونه في قوله تعالى إنما أنت منذر ولكل قوم هاد [ الرعد : 7 ] . وقوله ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا [ الإنسان : 8 ] . وقوله أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر [ التوبة : 19 ] . وغير ذلك من الآيات والأحاديث الواردة في أنها نزلت في علي لا يصح شيء منها .

وأما قوله تعالى هذان خصمان اختصموا في ربهم [ الحج : 19 ] . فثبت في " الصحيح " أنها نزلت في علي وحمزة وعبيدة من المؤمنين ، وفي عتبةوشيبة والوليد بن عتبة من الكافرين .

وما روي عن ابن عباس أنه قال : ما نزل في أحد من الناس ما نزل في علي وفي رواية عنه أنه قال : نزل فيه ثلاثمائة آية . فلا يصح ذلك عنه لا هذا ولا هذا . ولا يصح أيضا ما قالوا فيه أنه قال : ما نزلت آية فيها يا أيها الذين آمنوا إلا وعلي بن أبي طالب رأسها . كل ذلك لا يصح ، وإنما هذا من غلوالرافضة . [ ص: 95 ]

حديث آخر : قال أبو سعيد بن الأعرابي : ثنا محمد بن زكريا الغلابي ، ثنا العباس بن بكار أبو الوليد ، ثنا عبد الله بن المثنى الأنصاري ، عن عمهثمامة بن عبد الله بن أنس ، عن أنس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في المسجد وقد أطاف به أصحابه ، إذ أقبل علي فسلم ، ثم وقف ينظر مكانا يجلس فيه ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وجوه أصحابه أيهم يوسع له ، وكان أبو بكر عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا ، فتزحزح أبو بكر عن مجلسه وقال : هاهنا يا أبا الحسن . فجلس بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أبي بكر ، فرأينا السرور في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أقبل على أبي بكر فقال : " يا أبا بكر ، إنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذوو الفضل " . فأما الحديث الوارد عنعلي وحذيفة مرفوعا : " علي خير البشر ، من أبى فقد كفر " . فهو موضوع من الطريقين معا . قبح الله من وضعه واختلقه .

حديث آخر : قال أبو عيسى الترمذي : ثنا إسماعيل بن موسى ، ثنا محمد بن عمر بن الرومي ، ثنا شريك ، عن سلمة بن كهيل ، عن سويد بن غفلة ، عن الصنابحي ، عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا دار الحكمة وعلي بابها " . ثم قال : هذا الحديث غريب . قال : وروى بعضهم هذا الحديث عن ابن عباس .

ص: 96 ] قلت : رواه سويد بن سعيد ، عن شريك ، عن سلمة ، عن الصنابحي ، عن علي مرفوعا : " أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد العلم فليأت باب المدينة " .

وأما حديث ابن عباس ، فرواه ابن عدي من طريق أحمد بن سلمة أبي عمرو الجرجاني ، ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباسقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد العلم فليأتها من قبل بابها " . ثم قال ابن عدي : وهذا الحديث يعرفبأبي الصلت الهروي عن أبي معاوية ، سرقه منه أحمد بن سلمة هذا ، ومعه جماعة من الضعفاء . هكذا قال ، رحمه الله ، وقد روى أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز ، عن ابن معين أنه قال : أخبرني ابن أيمن ، أن أبا معاوية حدث بهذا الحديث قديما ، ثم كف عنه . قال : وكان أبو الصلت رجلا موسرا يكرم المشايخ ويحدثونه بهذه الأحاديث . وساقه ابن عساكر بإسناد مظلم عن جعفر الصادق عن أبيه ، عن جده ، عن جابر بن عبد الله ، فذكره مرفوعا ، ومن طريق أخرى عن جابر . قال ابن عدي : وهو موضوع أيضا . وقال أبو الفتح الأزدي : لا يصح في هذا الباب شيء . [ ص: 97 ]

حديث آخر يقرب مما قبله : قال ابن عدي : ثنا أحمد بن حمدون النيسابوري ، ثنا ابن بنت أبي أسامة - هو جعفر بن هذيل - ثنا ضرار بن صرد ، ثنايحيى بن عيسى الرملي ، عن الأعمش ، عن عباية ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " علي عيبة علمي " .

حديث آخر في معنى ما تقدم : قال ابن عدي : ثنا أبو يعلى ، ثنا كامل بن طلحة ، ثنا ابن لهيعة ، ثنا حيي بن عبد الله ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه : " ادعوا لي أخي " . فدعوا له أبا بكر ، فأعرض عنه ، ثم قال : " ادعوا لي أخي " . فدعوا له عمر ، فأعرض عنه ، ثم قال : " ادعوا لي أخي " . فدعوا له عثمان ، فأعرض عنه ، ثم قال : " ادعوا لي أخي " . فدعي له علي بن أبي طالب فستره بثوب وأكب عليه ، فلما خرج من عنده قيل له : ما قال لك ؟ قال : علمني ألف باب ، يفتح كل باب إلى ألف باب . قال ابن عدي : هذا حديث منكر ، ولعل البلاء فيه من ابن لهيعة ، فإنه شديد الإفراط في التشيع وقد تكلم فيه الأئمة ونسبوه إلى الضعف . والله أعلم .

حديث آخر : قال ابن عساكر : أنبأنا أبو علي المقرئ ، أنا أبو نعيم ص: 98 ] الحافظ ، أنا أبو أحمد الغطريفي ، ثنا أبو الحسين بن أبي مقاتل ، ثنامحمد بن عبيد بن عتبة ، ثنا محمد بن علي الوهبي الكوفي ، ثنا أحمد بن عمران بن سلمة - وكان ثقة عدلا مرضيا - ثنا سفيان الثوري ، عن منصور، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فسئل عن علي ، فقال : " قسمت الحكمة عشرة أجزاء ، أعطيعلي تسعة والناس جزءا واحدا " وسكت الحافظ ابن عساكر على هذا الحديث ولم ينبه على أمره ، وهو منكر بل موضوع ، مركب على سفيان الثوريبإسناده ، قبح الله واضعه ومن افتراه واختلقه .

حديث آخر : قال أبو يعلى : ثنا عبيد الله بن عمر القواريري ، ثنا يحيى بن سعيد ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، عن علي قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وأنا حديث السن ، ليس لي علم بالقضاء . قال : فضرب في صدري وقال : " إن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك " . قال : فما شككت في قضاء بين اثنين بعد .

وقد ثبت عن عمر أنه كان يقول : علي أقضانا ، وأبي أقرؤنا للقرآن . وكان عمر يقول : أعوذ بالله من معضلة ولا أبو حسن لها .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا جرير بن عبد الحميد ، عن مغيرة ، عن أم موسى ، عن أم سلمة قالت : والذي أحلف به إن كان علي بن أبي طالب لأقرب الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم ; عدنا رسول الله ص: 99 ] صلى الله عليه وسلم غداة بعد غداة يقول : " جاء علي ؟ " مرارا ، وأظنه كان بعثه في حاجة . قالت : فجاء بعد ، فظننت أن له إليه حاجة ، فخرجنا من البيت فقعدنا عند الباب ، فكنت من أدناهم إلى الباب ، فأكب عليه علي ، فجعل يساره ويناجيه ، ثم قبض من يومه ذلك ، فكان أقرب الناس به عهدا . وهكذا رواه عبد الله بن أحمد وأبو يعلى ، عن أبي بكر بن أبي شيبة به .

حديث آخر في معناه : قال أبو يعلى : ثنا عبد الرحمن بن صالح ، ثنا أبو بكر بن عياش ، عن صدقة بن سعيد ، عن جميع بن عمير أن أمه وخالته دخلتا على عائشة فقالتا : يا أم المؤمنين ، أخبرينا عن علي . قالت : أي شيء تسألن ؟ عن رجل وضع يده من رسول الله صلى الله عليه وسلم موضعا ، فسالت نفسه في يده فمسح بها وجهه ، واختلفوا في دفنه فقال : إن أحب الأماكن إلى الله مكان قبض فيه نبيه صلى الله عليه وسلم . قالتا : فلم خرجت عليه ؟ قالت : أمر قضي ، لوددت أني أفديه بما على الأرض وهذا منكر جدا ، وفي " الصحيح " ما يرد هذا . والله أعلم .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : ثنا أسود بن عامر ، حدثني عبد الحميد بن أبي جعفر - يعني الفراء - عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن زيد بن يثيع ، عن علي قال : قيل : يا رسول الله ، من نؤمر بعدك ؟ قال : " إن تؤمروا أبا بكر تجدوه أمينا زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة ، وإن تؤمروا عمر تجدوه قويا أمينا لا يخاف في الله لومة لائم ، وإن تؤمروا عليا ، ولا أراكم فاعلين ، تجدوه ص: 100 ] هاديا مهديا يأخذ بكم الطريق المستقيم " .وقد روي هذا الحديث من طريق عبد الرزاق ، عن النعمان بن أبي شيبة ، وعن يحيى بن العلاء ، عن الثوري عن أبي إسحاق ، عن زيد بن يثيع ، عنحذيفة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه . ورواه أبو الصلت الهروي عبد السلام بن صالح ، عن ابن نمير ، عن الثوري ، عن شريك ، عن أبي إسحاق ، عن زيد بن يثيع ، عن حذيفة به .

وقال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري : أنا أبو عبد الله محمد بن علي الآدمي بمكة ، ثنا إسحاق بن إبراهيم الصنعاني ، أنا عبد الرزاق بن همام ، عن أبيه ، عن ميناء ، عن عبد الله بن مسعود قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة وفد الجن . قال : فتنفس فقلت : ما شأنك يا رسول الله ؟ قال : " نعيت إلي نفسي " . قلت : فاستخلف . قال : " من ؟ " قلت : أبا بكر . قال : فسكت ، ثم مضى ساعة ، ثم تنفس فقلت : ما شأنك يا رسول الله ؟ قال : " نعيت إلي نفسي " . يا ابن مسعود " . قلت : فاستخلف . قال : " من ؟ " قلت : عمر . قال : فسكت ، ثم مضى ساعة ، ثم تنفس فقلت : ما شأنك ؟ قال : " نعيت إلي نفسي " . يا ابن مسعود " . قلت : فاستخلف . قال : " من ؟ " قلت علي بن أبي طالب قال : " أما والذي نفسي بيده لئن أطاعوه ليدخلن الجنة أجمعين أكتعين " . قال ابن عساكر : همام وميناء مجهولان . [ ص: 101 ]

حديث آخر : قال أبو يعلى ثنا أبو موسى - يعني محمد بن المثنى - ثنا سهل بن حماد أبو عتاب الدلال ، ثنا مختار بن نافع التيمي ، ثنا أبو حيان التيمي، عن أبيه ، عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رحم الله أبا بكر ، زوجني ابنته ، وحملني إلى دار الهجرة ، وأعتق بلالا من ماله ، رحم الله عمر ، يقول الحق وإن كان مرا ، تركه الحق وما له من صديق ، رحم الله عثمان ، تستحيه الملائكة ، رحم الله عليا ، اللهم أدر الحق معه حيث دار " . وقد ورد عن أبي سعيد وأم سلمة أن الحق مع علي ، رضي الله عنه ، وفي كل منهما نظر . والله أعلم .

حديث آخر ، قال أبو يعلى : ثنا عثمان ، ثنا جرير عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء ، عن أبيه ، عن أبي سعيد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله " . فقال أبو بكر : أنا هو يا رسول الله ؟ قال : " لا " . فقال عمر : أنا هو يا رسول الله ؟ قال : " لا ، ولكنه خاصف النعل " . وكان قد أعطى عليا نعله يخصفه . ورواه البيهقي ، عن الحاكم ، عن الأصم ، عن أحمد بن عبد الجبار ، عن أبي معاوية ، عن الأعمش به . ورواه الإمام أحمد ، عن وكيع وحسين بن محمد ، عن فطر بن خليفة ، عن إسماعيل بن رجاء به . ورواهالبيهقي أيضا ، من [ ص: 102 ] حديث أبي نعيم ، عن فطر بن خليفة ، عن إسماعيل بن رجاء ، عن أبيه ، عن أبي سعيد به . ورواه فضيل بن مرزوق ، عن عطية ، عن أبي سعيد . وروي من حديث علي نفسه . وقد قدمنا هذا الحديث في موضعه في قتال علي أهل البغي والخوارج . ولله الحمد . وقدمنا أيضا حديث علي للزبير : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لك إنك تقاتلني وأنت ظالم . فرجع الزبير ، وذلك يوم الجمل ، ثم قتل بعد مرجعه في وادي السباع . وقدمنا صبره وصرامته وشجاعته في يومي الجمل وصفين ، وبسالته وفضله في يوم النهروان ، وما ورد في فضل طائفته الذين قتلوا الخوارج ، من الأحاديث ، وذكرنا الحديث الوارد من غير طريق ، عن علي وأبي سعيد وأبي أيوب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بقتال المارقين والقاسطين والناكثين ، وفسروا الناكثين بأصحاب الجمل ، والقاسطين بأهل الشام ، والمارقين بالخوارج والحديث ضعيف .
===================فصل في ذكر شيء من سيرته العادلة وطريقته الفاضلة ومواعظه وقضاياه الفاصلة ، وخطبه الكاملة وحكمه التي هي إلى القلوب واصلة

قال عبد الوارث عن أبي عمرو بن العلاء ، عن أبيه قال : خطب علي [ ص: 103 ] فقال : أيها الناس ، والله الذي لا إله إلا هو ما رزأت من مالكم قليلا ولا كثيرا إلا هذه . وأخرج قارورة من كم قميصه فيها طيب . فقال : أهداها إلى الدهقان . ثم أتى بيت المال فقال : خذوا . وأنشأ يقول :

أفلح من كانت له قوصره يأكل منها كل يوم تمره
وفي رواية : مره . وفي رواية : 
طوبى لمن كانت له قوصره
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقال حرملة عن ابن وهب ، عن ابن لهيعة ، عن ابن هبيرة ، عن عبد الله بن زرير الغافقي قال : دخلنا مع علي يوم الأضحى ، فقرب إلينا خزيرة ، فقلنا : أصلحك الله ، لو قدمت إلينا هذا البط والإوز ، فإن الله قد أكثر الخير . فقال : يا ابن زرير ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يحل للخليفة من مال الله إلا قصعتان ; قصعة يأكلها هو وأهله ، وقصعة يطعمها الناس " . 

وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن وأبو سعيد مولى بنى هاشم ، قالا : ثنا ابن لهيعة ، ثنا عبد الله بن هبيرة ، عن عبد الله بن زرير أنه قال دخلت على علي بن أبي طالب - قال حسن : يوم الأضحى - فقرب إلينا خزيرة ، فقلت : أصلحك الله ، لو قربت إلينا من هذا البط - يعني الوز - فإن الله قد أكثر [ ص:104 ] الخير . فقال : يا ابن زرير ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يحل للخليفة من مال الله إلا قصعتان ; قصعة يأكلها هو وأهله ، وقصعة يضعها بين يدي الناس " .

وقال أبو عبيد : ثنا عباد بن العوام ، عن هارون بن عنترة عن أبيه قال : دخلت على علي بن أبي طالب بالخورنق وعليه قطيفة وهو يرعد من البرد ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، إن الله قد جعل لك ولأهل بيتك نصيبا في هذا المال ، وأنت تفعل بنفسك هذا ؟ ! فقال : إني والله لا أرزأ من مالكم شيئا ، وهذه القطيفة هي التي خرجت بها من بيتي . أو قال : من المدينة .

وقال أبو نعيم : سمعت سفيان الثوري يقول : ما بنى علي لبنة على لبنة ، ولا قصبة على قصبة ، وإن كان ليؤتى بجبوبه من المدينة في جراب .

وقال يعقوب بن سفيان : ثنا أبو بكر الحميدي ، ثنا سفيان ، ثنا أبو حيان ، عن مجمع بن سمعان التيمي قال : خرج علي بن أبي طالب بسيفه إلى السوق فقال : من يشتري مني سيفي هذا ؟ فلو كان عندي أربعة دراهم أشتري بها إزارا ما بعته .

ص: 105 ] وقال الزبير بن بكار : حدثني سفيان ، عن جعفر - قال : أظنه عن أبيه - أن عليا كان إذا لبس قميصا مد يده في كمه ، فما فضل من الكم عن الأصابع قطعه ، وقال : ليس للكم فضل عن الأصابع .

وقال أبو بكر بن عياش ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن مقسم ، عن ابن عباس قال : اشترى علي قميصا بثلاثة دراهم وهو خليفة ، وقطع كمه من موضع الرسغين ، وقال : الحمد لله الذي هذا من رياشه .

وروى الإمام أحمد في " الزهد " ، عن عباد بن العوام ، عن هلال بن خباب ، عن مولى لأبي عصيفير قال : رأيت عليا خرج فأتى رجلا من أصحاب الكرابيس ، فقال له : عندك قميص سنبلاني ؟ قال : فأخرج إليه قميصا فلبسه ، فإذا هو إلى نصف ساقيه ، فنظر عن يمينه وعن شماله فقال : ما أرى إلا قدرا حسنا ، بكم هو ؟ قال : بأربعة دراهم يا أمير المؤمنين . قال : فحلها من إزاره فدفعها إليه ، ثم انطلق .

وقال محمد بن سعد : أنا الفضل بن دكين ، أنا الحسن بن جرموز ، عن أبيه قال : رأيت عليا وهو يخرج من القصر وعليه قطريتان ; إزار إلى نصف الساق ، ورداء مشمر قريب منه ، ومعه درة له يمشي بها في الأسواق ، ويأمر الناس بتقوى الله وحسن البيع ، ويقول : أوفوا الكيل والميزان . ويقول : لا تنفخوا اللحم .

ص: 106 ] وقال عبد الله بن المبارك في " الزهد " : أنا رجل ، حدثني صالح بن ميثم ، ثنا زيد بن وهب الجهني قال : خرج علينا علي بن أبي طالب ذات يوم وعليه بردان ، متزر بأحدهما مرتد بالآخر ، قد أرخى جانب إزاره ورفع جانبا ، وقد رفع رداءه بخرقة ، فمر به أعرابي فقال : أيها الإنسان ، البس من هذه الثياب فإنك ميت أو مقتول . فقال : أيها الأعرابي ، إنما ألبس هذين الثوبين ليكونا أبعد لي من الزهو ، وخيرا لي في صلاتي ، وسنة للمؤمن .

وقال عبد بن حميد : ثنا محمد بن عبيد ، ثنا المختار بن نافع ، عن أبي مطر قال : خرجت من المسجد فإذا رجل ينادي من خلفي : ارفع إزارك ; فإنه أنقى لثوبك وأتقى لك ، وخذ من رأسك إن كنت مسلما . فمشيت خلفه وهو بين يدي مؤتزر بإزار مرتد برداء ومعه الدرة ، كأنه أعرابي بدوي ، فقلت : من هذا ؟ فقال لي رجل : أراك غريبا بهذا البلد . فقلت : أجل ، أنا رجل من أهل البصرة . فقال : هذا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين . حتى انتهى إلى دار بنى أبي معيط وهي سوق الإبل ، فقال : بيعوا ولا تحلفوا ; فإن اليمين تنفق السلعة وتمحق البركة . ثم أتى أصحاب التمر ، فإذا خادم تبكي فقال : ما يبكيك ؟ فقالت : باعني هذا الرجل تمرا بدرهم فرده موالي ، فأبى أن يقبله . فقال له علي : خذ تمرك وأعطها درهمها ; فإنها ليس لها أمر . فدفعه ، فقلت : أتدري من هذا ؟ فقال : لا . فقلت : هذا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين . فصبت تمره وأعطاها درهمها ، ثم قال الرجل : أحب أن ترضى عني يا أمير المؤمنين . قال : ما [ ص: 107 ] أرضاني عنك إذا أوفيت الناس حقوقهم . ثم مر مجتازا بأصحاب التمر فقال : يا أصحاب التمر ، أطعموا المساكين يرب كسبكم . ثم مر مجتازا ومعه المسلمون ، حتى انتهى إلى أصحاب السمك ، فقال : لا يباع في سوقنا طاف . ثم أتى دار فرات وهي سوق الكرابيس ، فأتى شيخا فقال : يا شيخ ، أحسن بيعي في قميص بثلاثة دراهم . فلما عرفه لم يشتر منه شيئا ، ثم آخر ، فلما عرفه لم يشتر منه شيئا ، فأتى غلاما حدثا فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم ، وكمه ما بين الرسغين إلى الكفين يقول في لبسه : الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمل به في الناس ، وأواري به عورتي . فقيل له : يا أمير المؤمنين ، هذا شيء ترويه عن نفسك ، أو شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : لا ، بل شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله عند الكسوة . فجاء أبو الغلام صاحب الثوب فقيل له : يا فلان ، قد باع ابنك اليوم من أمير المؤمنين قميصا بثلاثة دراهم . قال : أفلا أخذت منه درهمين ؟ فأخذ منه أبوه درهما ، ثم جاء به إلى أمير المؤمنين وهو جالس مع المسلمين على باب الرحبة ، فقال : أمسك هذا الدرهم . فقال : ما شأن هذا الدرهم ؟ فقال : كان قميصا ثمن درهمين . فقال : باعني رضاي وأخذ رضاه .

وقال عمر بن شمر ، عن جابر الجعفي ، عن الشعبي قال : وجد علي بن أبي طالب درعه عند رجل نصراني ، فأقبل به إلى شريح يخاصمه . قال : فجاء علي حتى جلس إلى جنب شريح وقال : يا شريح ، لو كان خصمي مسلما ما جلست إلا معه ، ولكنه نصراني ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا كنتم ص: 108 ] وإياهم في طريق فاضطروهم إلى مضايقه ، وصغروا بهم كما صغر الله بهم من غير أن تطغوا " . ثم قال : هذا الدرع درعي ولم أبع ولم أهب . فقال شريح للنصراني : ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين ؟ فقال النصراني : ما الدرع إلا درعي ، وما أمير المؤمنين عندي بكاذب . فالتفت شريح إلى علي فقال : يا أمير المؤمنين ، هل من بينة ؟ فضحك علي وقال : أصاب شريح ، ما لي بينة . فقضى بها شريح للنصراني . قال : فأخذها النصراني ، ومشى خطى ثم رجع فقال : أما أنا فأشهد أن هذه أحكام الأنبياء ، أمير المؤمنين قدمني إلى قاضيه ، وقاضيه يقضي عليه ! أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، الدرع والله درعك يا أمير المؤمنين ، اتبعت الجيش وأنت منطلق إلى صفين فخرجت من بعيرك الأورق . فقال : أما إذ أسلمت فهي لك . وحمله على فرس . قال الشعبي : فأخبرني من رآه يقاتل الخوارج مع علي يوم النهروان .

وقال سعيد بن عبيد ، عن علي بن ربيعة : جاء جعدة بن هبيرة إلى علي فقال : يا أمير المؤمنين ، يأتيك الرجلان أنت أحب إلى أحدهما من أهله وماله ، والآخر لو يستطيع أن يذبحك لذبحك ، فتقضي لهذا على هذا ! قال : فلهزه علي وقال : إن هذا شيء لو كان لي فعلت ، ولكن إنما ذا شيء لله .

وقال أبو القاسم البغوي : حدثني جدي ، ثنا علي بن هاشم ، عن صالح بياع الأكسية ، عن جدته قالت : رأيت عليا اشترى تمرا بدرهم ، فحمله في ملحفته ، فقال رجل : يا أمير المؤمنين ، ألا نحمله عنك . فقال : أبو العيال أحق بحمله .

ص: 109 ] وعن أبي هاشم ، عن زاذان قال : كان علي يمشي في الأسواق وحده وهو خليفة ، يرشد الضال ويعين الضعيف ، ويمر بالبياع والبقال فيفتح عليه القرآن ، ويقرأ تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا [ القصص : 83 ] . ثم يقول : نزلت هذه الآية في أهل العدل والتواضع من الولاة وأهل القدرة من سائر الناس .

وعن عبادة بن زياد ، عن صالح بن أبي الأسود ، عمن حدثه ، أنه رأى عليا قد ركب حمارا ودلى رجليه إلى موضع واحد ، ثم قال : أنا الذي أهنت الدنيا .

وقال يحيى بن معين عن علي بن الجعد ، عن الحسن بن صالح قال : تذاكروا الزهاد عند عمر بن عبد العزيز ، فقال قائلون : فلان . وقال قائلون : فلان . فقال عمر بن عبد العزيز : أزهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب

وقال هشام بن حسان : بينا نحن عند الحسن البصري إذ أقبل رجل من الأزارقة فقال : يا أبا سعيد ، ما تقول في علي بن أبي طالب ؟ قال : فاحمرت وجنتا الحسن ، وقال : رحم الله عليا ، إن عليا كان سهما لله صائبا في أعدائه ، وكان في محلة العلم أشرفها وأقربها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان رباني هذه الأمة ، لم يكن لمال الله بالسروقة ، ولا في أمر الله بالنئومة ، أعطى القرآن عزائمه وعمله وعلمه ، فكان منه في رياض مونقة ، وأعلام بينة ، ذاك علي بن أبي طالب يا لكع .

ص: 110 ] وقال هشيم ، عن سيار ، عن عمار قال : حدث رجل علي بن أبي طالب بحديث فكذبه ، فما قام حتى عمي .

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثني شريح بن يونس ، ثنا هشيم ، عن إسماعيل بن سالم عن عمار الحضرمي ، عن زاذان أبي عمر ، أن رجلا حدثعليا بحديث ، فقال : ما أراك إلا قد كذبتني . قال : لم أفعل . قال : أدعو عليك إن كنت كذبت ؟ قال : ادع . فدعا فما برح حتى عمي .

وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا خلف بن سالم ثنا محمد بن بشر ، عن أبي مكين قال : مررت أنا وخالي أبو أمية على دار في محل حي من مراد ، فقال : ترى هذه الدار ؟ قلت : نعم . قال : فإن عليا مر عليها وهم يبنونها ، فسقطت عليه قطعة فشجته ، فدعا الله أن لا يكمل بناؤها . قال : فما وضعت عليها لبنة . قال : فكنت أمر عليها لا تشبه الدور .

وقال ابن أبي الدنيا حدثني عبد الله بن يونس بن بكير الشيباني ، عن أبيه ، عن عبد الغفار بن القاسم الأنصاري ، عن أبي بشير الشيباني قال : شهدتالجمل مع مولاي ، فما رأيت يوما قط أكثر ساعدا نادرا وقدما نادرة من يومئذ ، ولا مررت بدار الوليد قط إلا ذكرت يوم الجمل . قال : فحدثني الحكم بن عتيبة أن عليا دعا يوم الجمل فقال : اللهم خذ أيديهم وأقدامهم .

ص: 111 ] ومن كلامه الحسن ، رضي الله عنه : قال ابن أبي الدنيا : حدثنا علي بن الجعد ، أنا عمرو بن شمر ، حدثني إسماعيل السدي ، سمعت أبا أراكة يقول : صليت مع علي صلاة الفجر ، فلما انفتل عن يمينه مكث كأن عليه كآبة ، حتى إذا كانت الشمس على حائط المسجد قيد رمح صلى ركعتين ، ثم قلب يده ، فقال : والله لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فما أرى اليوم شيئا يشبههم ، لقد كانوا يصبحون صفرا شعثا غبرا ، بين أعينهم كأمثال ركب المعزى ، قد باتوا لله سجدا وقياما ، يتلون كتاب الله ، يراوحون بين جباههم وأقدامهم ، فإذا أصبحوا فذكروا الله مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح ، وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم ، والله لكأن القوم باتوا غافلين . ثم نهض ، فما رئي بعد ذلك مفترا يضحك ، حتى قتله ابن ملجمعدو الله الفاسق .

وقال وكيع ، عن عمرو بن منبه ، عن أوفى بن دلهم ، عن علي بن أبي طالب أنه قال : تعلموا العلم تعرفوا به ، واعملوا به تكونوا من أهله ، فإنه يأتي من بعدكم زمان ينكر فيه من الحق تسعة أعشاره ، وإنه لا ينجو منه إلا كل نومة منبت الداء ، أولئك أئمة الهدى ومصابيح العلم ، ليسوا بالعجل المذاييع البذر . ثم قال : إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة ، وإن الآخرة قد أتت مقبلة ، ولكل واحدة منهما بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، ألا وإن الزاهدين في الدنيا اتخذوا الأرض بساطا ، والتراب فراشا ، والماء طيبا ، [ ص: 112 ] ألا من اشتاق إلى الآخرة سلا عن الشهوات ، ومن أشفق من النار رجع عن الحرمات ، ومن طلب الجنة سارع إلى الطاعات ، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات ، ألا إن لله عبادا كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين ، وأهل النار في النار معذبين ، شرورهم مأمونة ، وقلوبهم محزونة ، وأنفسهم عفيفة ، وحوائجهم خفيفة ، صبروا أياما قليلة لعقبى راحة طويلة ، أما الليل فصافون أقدامهم ، تجري دموعهم على خدودهم ، يجأرون إلى ربهم : ربنا ربنا . يطلبون فكاك رقابهم ، وأما النهار فعلماء حلماء ، بررة أتقياء ، كأنهم القداح ، ينظر إليهم الناظر فيقول : مرضى . وما بالقوم من مرض ، و : خولطوا . ولقد خالط القوم أمر عظيم .

وعن الأصبغ بن نباتة قال : صعد علي ذات يوم المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه وذكر الموت ، فقال : عباد الله ، الموت ليس منه فوت ، إن أقمتم له أخذكم ، وإن فررتم منه أدرككم ، فالنجاء النجاء ، والوحاء الوحاء ، وراءكم طالب حثيث ; القبر ، فاحذروا ضغطته وظلمته ووحشته ، ألا وإن القبر حفرة من حفر النار ، أو روضة من رياض الجنة ، ألا وإنه يتكلم في كل يوم ثلاث مرات فيقول : أنا بيت الظلمة ، أنا بيت الدود ، أنا بيت الوحشة . ألا وإن وراء ذلك يوما يشيب فيه الصغير ، ويسكر فيه الكبير ، وتضع كل ذات حمل حملها ، وترى الناس سكارى ، وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ، ألا وإن وراء ذلك ما هو أشد منه ; نار حرها شديد ، وقعرها بعيد ، وحليها حديد ، وماؤها صديد ، [ ص: 113 ] وخازنها ملك ليس لله فيه رحمة . قال : ثم بكى وبكى المسلمون حوله ، ثم قال : ألا وإن وراء ذلك جنة ، عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ، جعلنا الله وإياكم من المتقين ، وأجارنا وإياكم من العذاب الأليم . ورواه ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد ، حدثني من سمع عليا ، فذكر نحوه .

وقال وكيع ، عن عمرو بن منبه ، عن أوفى بن دلهم قال : خطب علي فقال : أما بعد ، فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع ، وإن الآخرة قد أقبلت وأشرفت باطلاع ، وإن المضمار اليوم ، وغدا السباق ، ألا وإنكم في أيام أمل من ورائه أجل ، فمن قصر في أيام أمله قبل حضور أجله فقد خيب عمله ، ألا فاعملوا لله في الرغبة كما تعملون له في الرهبة ، ألا وإني لم أر كالجنة نام طالبها ، ولم أر كالنار نام هاربها ، ألا وإنه من لم ينفعه الحق ضره الباطل ، ومن لم يستقم به الهدى حار به الضلال ، ألا وإنكم قد أمرتم بالظعن ، ودللتم على الزاد ، ألا أيها الناس ، إنما الدنيا عرض حاضر ، يأكل منها البر والفاجر ، وإن الآخرة وعد صادق ، يحكم فيها ملك قادر ، ألا إن الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ، والله يعدكم مغفرة منه وفضلا ، والله واسع عليم ، أيها الناس ، أحسنوا في عمركم تحفظوا في عقبكم ، فإن الله وعد جنته من أطاعه ، وأوعد ناره من عصاه ، إنها نار لا يهدأ زفيرها ، ولا يفك أسيرها ، ولا يجبر كسيرها ، حرها شديد ، وقعرها بعيد ، وماؤها صديد ، وإن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل . وفي رواية : فإن اتباع الهوى يصد عن الحق ، وطول [ ص: 114 ] الأمل ينسي الآخرة .

وعن عاصم بن ضمرة قال : ذم رجل الدنيا عند علي ، فقال علي : الدنيا دار صدق لمن صدقها ، ودار نجاة لمن فهم عنها ، ودار غنى لمن تزود منها ، مهبط وحي الله ، ومصلى ملائكته ، ومسجد أنبيائه ، ومتجر أوليائه ، ربحوا فيها الرحمة ، واكتسبوا فيها الجنة ، فمن ذا يذمها وقد آذنت ببينها ، ونادت بفراقها ، وشبهت بشرورها السرور ، وببلائها إليه ترغيبا وترهيبا ، فيا أيها الذام للدنيا المعلل نفسه ، متى خدعتك الدنيا ، أو متى استذمت إليك ؟ أبمصارع آبائك في البلى ؟ أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى ؟ ! كم مرضت بيديك ، وعللت بكفيك ، تطلب له الشفاء ، وتستوصف له الأطباء ، لا يغني عنك دواؤك ، ولا ينفعك بكاؤك .

وقال سفيان الثوري والأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري قال : جاء رجل إلى علي فأطراه ، وكان يبغض عليا ، فقال له : لست كما تقول ، وأنا فوق ما في نفسك .

وروى ابن عساكر أن رجلا قال لعلي : ثبتك الله . قال : على صدرك . وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، ثنا سفيان بن عيينة ، [ ص:115 ] عن أبي حمزة ، عن يحيى بن عقيل ، عن يحيى بن يعمر قال : قال علي : إن الأمر ينزل من السماء كقطر المطر ، لكل نفس ما كتب الله لها من زيادة أو نقصان ، في نفس أو أهل أو مال ، فمن رأى نقصا في نفسه أو أهله أو ماله ، ورأى لغيره غفيرة فلا يكونن ذلك له فتنة ، فإن المسلم ما لم يغش دناءة يظهر تخشعا لها إذا ذكرت ، وتغري به لئام الناس ، كالياسر الفالج ينتظر أول فوزة من قداحه توجب له المغنم وتدفع عنه المغرم ، فكذلك المسلم البريء من الخيانة بين إحدى الحسنيين إذا ما دعا الله ، فما عند الله خير له ، وإما أن يرزقه الله مالا فإذا هو ذو أهل ومال ، ومعه حسبه ودينه ، الحرث حرثان ; فحرث الدنيا المال والبنون ، وحرث الآخرة الباقيات الصالحات ، وقد يجمعهما الله تعالى لأقوام . قال سفيان : ومن يحسن أن يتكلم بهذا الكلام إلا علي ؟ !

وقال الثوري عن زبيد اليامي ، عن مهاجر العامري قال : كتب علي بن أبي طالب عهدا لبعض أصحابه على بلد ، فيه : أما بعد ، فلا تطولن حجابك على رعيتك ، فإن احتجاب الولاة عن الرعية شعبة الضيق ، وقلة علم بالأمور ، والاحتجاب يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه ، فيضعف عندهم الكبير ، ويعظم الصغير ، ويقبح الحسن ، ويحسن القبيح ، ويشاب الحق بالباطل ، وإنما الوالي بشر [ ص: 116 ] لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأمور ، وليس على القول سمات يعرف بها ضروب الصدق من الكذب ، فتحصن من الإدخال في الحقوق بلين الحجاب ، فإنما أنت أحد الرجلين ; إما امرؤ سخت نفسك بالبذل في الحق ، ففيم احتجابك من حق واجب أن تعطيه ، أو خلق كريم تسدد به ؟ وإما مبتلى بالمنع والشح ، فما أسرع كف الناس عن مسألتك إذا يئسوا من خيرك ، مع أن أكثر حاجات الناس إليك ما لا مؤنة فيه عليك ; من شكاة مظلمة ، أو طلب إنصاف ، فانتفع بما وصفت لك ، واقتصر على حظك ورشدك ، إن شاء الله .

وقال المدائني : كتب علي إلى بعض عماله : رويدا ، فكأن قد بلغت المدى ، وعرضت عليك أعمالك بالمحل الذي ينادي المغتر بالحسرة ، ويتمنى المضيع التوبة ، والظالم الرجعة .

وقال هشيم : أنا عمر بن أبي زائدة ، عن الشعبي قال : كان أبو بكر يقول الشعر ، وكان عمر يقول الشعر ، وكان علي يقول الشعر ، وكان علي أشعر الثلاثة . ورواه هشام بن عمار ، عن إبراهيم بن أعين ، عن عمر بن أبي زائدة ، عن عبد الله بن أبي السفر ، عن الشعبي ، فذكره .

ص: 117 ] وقال أبو بكر بن دريد : وأخبرنا عن دماذ ، عن أبي عبيدة قال : كتب معاوية إلى علي : يا أبا الحسن ، إن لي فضائل كثيرة ، وكان أبي سيدا في الجاهلية ، وصرت ملكا في الإسلام ، وأنا صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخال المؤمنين ، وكاتب الوحي . فقال علي : أبالفضائل يفخر علي ابن آكلة الأكباد ؟ ! ثم قال : اكتب يا غلام :

محمد النبي أخي وصهري     وحمزة سيد الشهداء عمي
وجعفر الذي يمسي ويضحي     يطير مع الملائكة ابن أمي
وبنت محمد سكني وعرسي     مسوط لحمها بدمي ولحمي
وسبطا أحمد ولداي منها     فأيكم له سهم كسهمي
سبقتكم إلى الإسلام طرا     صغيرا ما بلغت أوان حلمي 
قال : فقال معاوية : أخفوا هذا الكتاب لا يقرؤه أهل الشام فيميلوا إلى ابن أبي طالب . وهذا منقطع بين أبي عبيدة وزمان علي ومعاوية .

وقال الزبير بن بكار وغيره : حدثني بكر بن حارثة ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن جابر بن عبد الله قال : سمعت عليا ينشد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع

ص: 118 ] 

أنا أخو المصطفى لا شك في نسبي     معه ربيت وسبطاه هما ولدي
جدي وجد رسول الله منفرد     وفاطم زوجتي لا قول ذي فند
صدقته وجميع الناس في بهم     من الضلالة والإشراك والنكد
فالحمد لله شكرا لا شريك له     البر بالعبد والباقي بلا أمد 
قال : فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال صدقت يا علي وهذا بهذا الإسناد منكر ، والشعر فيه ركاكة ، وبكر هذا لا يقبل منه تفرده بهذا السند والمتن . والله أعلم .

وروى الحافظ ابن عساكر من طريق أبي زكريا الرملي ، ثنا يزيد بن هارون ، عن نوح بن قيس ، عن سلامة الكندي ، عن الأصبغ بن نباتة ، عن عليأنه جاءه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ، إن لي إليك حاجة قد رفعتها إلى الله قبل أن أرفعها إليك ، فإن أنت قضيتها حمدت الله وشكرتك ، وإن أنت لم تقضها حمدت الله وعذرتك . فقال علي : اكتب على الأرض ; فإني أكره أن أرى ذل السؤال في وجهك . فكتب : إني محتاج . فقال علي : علي بحلة . فأتى بها ، فأخذها الرجل فلبسها ، ثم أنشأ يقول :

كسوتني حلة تبلى محاسنها     فسوف أكسوك من حسن الثنا حللا
إن نلت حسن ثنائي نلت مكرمة     ولست تبغي بما قد قلته بدلا
إن الثناء ليحيي ذكر صاحبه     كالغيث يحيي نداه السهل والجبلا
ص: 119 ] لا تزهد الدهر في خير تواقعه     فكل عبد سيجزى بالذي عملا 
فقال علي : علي بالدنانير . فأتي بمائة دينار ، فدفعها إليه . قال الأصبغ : فقلت : يا أمير المؤمنين ، حلة ومائة دينار ؟ ! قال : نعم . سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أنزلوا الناس منازلهم " . وهذه منزلة هذا الرجل عندي .

وروى الخطيب البغدادي من طريق أبي جعفر أحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن نبيط بن شريط ، حدثني أبي إسحاق بن إبراهيم بن نبيط عن أبيه ، عن جده قال : قال علي بن أبي طالب :

إذا اشتملت على اليأس القلوب     وضاق بما به الصدر الرحيب
وأوطنت المكاره واطمأنت     وأرست في أماكنها الخطوب
ولم تر لانكشاف الضر وجها     ولا أغنى بحيلته الأريب
أتاك على قنوط منك غوث     يجيء به القريب المستجيب
وكل الحادثات إذا تناهت     فموصول بها الفرج القريب 
ومما أنشده أبو بكر محمد بن يحيى الصولي لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب :

ألا فاصبر على الحدث الجليل     وداو جواك بالصبر الجميل
ص: 120 ] ولا تجزع فإن أعسرت يوما     فقد أيسرت في الدهر الطويل
ولا تظنن بربك ظن سوء     فإن الله أولى بالجميل
فإن العسر يتبعه يسار     وقول الله أصدق كل قيل
فلو أن العقول تجر رزقا     لكان الرزق عند ذوي العقول
فكم من مؤمن قد جاع يوما     سيروى من رحيق السلسبيل 
فمن هوان الدنيا على الله أنه سبحانه يجيع المؤمن من نفاسته ، ويشبع الكلب مع خساسته ، والكافر يأكل ويشرب ، ويلبس ويتمتع ، والمؤمن يجوع ويعرى ، وذلك لحكمة اقتضتها حكمة أحكم الحاكمين .

ومما أنشده علي بن جعفر الوراق لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب :

أجد الثياب إذا اكتسيت فإنها     زين الرجال بها تعز وتكرم
ودع التواضع في الثياب تخوفا     فالله يعلم ما تجن وتكتم
فرثاث ثوبك لا يزيدك زلفة     عند الإله وأنت عبد مجرم
وبهاء ثوبك لا يضرك بعد أن     تخشى الإله وتتقي ما يحرم 
وهذا كما جاء في الحديث : " إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى ثيابكم ، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " . وقال الثوري : ليس الزهد في [ ص:121 ] الدنيا بلبس العباء ولا بأكل الخشن ، إنما الزهد في الدنيا قصر الأمل .

وقال أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر المبرد : كان مكتوبا على سيف علي :

للناس حرص على الدنيا وتدبير     وصفوها لك ممزوج بتكدير
لم يرزقوها بعقل عندما قسمت     لكنهم رزقوها بالمقادير
كم من أديب لبيب لا تساعده     ومائق نال دنياه بتقصير
لو كان عن قوة أو عن مغالبة     طار البزاة بأرزاق العصافير 
وقال الأصمعي : ثنا سلمة بن بلال ، عن مجالد ، عن الشعبي قال : قال علي بن أبي طالب لرجل كره له صحبة رجل :

فلا تصحب أخا الجهل     وإياك وإياه
فكم من جاهل أردى     حليما حين آخاه
يقاس المرء بالمرء     إذا ما هو ماشاه
وللشيء على الشيء     مقاييس وأشباه
ص: 122 ] وللقلب على القلب دليل     حين يلقاه 


وعن عمرو بن العلاء ، عن أبيه قال : وقف علي على قبر فاطمة ، فأنشأ يقول :

ذكرت أبا أروى فبت كأنني     برد الهموم الماضيات وكيل
لكل اجتماع من خليلين فرقة     وكل الذي قبل الممات قليل
وإن افتقادي واحدا بعد واحد     دليل على أن لا يدوم خليل
سيعرض عن ذكري وتنسى مودتي     ويحدث بعدي للخليل خليل
إذا انقطعت يوما من العيش مدتي     فإن عناء الباكيات قليل 
وأنشد بعضهم لعلي رضي الله عنه :

حقيق بالتواضع من يموت     ويكفي المرء من دنياه قوت
فما للمرء يصبح ذا هموم     وحرص ليس تدركه النعوت
صنيع مليكنا حسن جميل     وما أرزاقه عنا تفوت
فيا هذا سترحل عن قليل     إلى قوم كلامهم السكوت 
وهذا الفصل يطول استقصاؤه ، وقد ذكرنا منه ما فيه مقنع لمن أراده ، ولله الحمد والمنة .

وقال حماد بن سلمة عن أيوب السختياني ، أنه قال : من أحب أبا بكر [ ص: 123 ] فقد أقام الدين ، ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل ، ومن أحبعثمان فقد استنار بنور الله ، ومن أحب عليا فقد استمسك بالعروة الوثقى ، ومن قال الحسنى في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد برئ من النفاق . ==========================غريبة من الغرائب وآبدة من الأوابد

قال ابن أبى خيثمة : ثنا أحمد بن منصور بن سيار ، ثنا عبد الرزاق قال : قال معمر مرة وأنا مستقبله ، وتبسم وليس معنا أحد فقلت له : ما شأنك ؟ قال : عجبت من أهل الكوفة ، كأن الكوفة إنما بنيت على حب علي ، ما كلمت أحدا منهم إلا وجدت المقتصد منهم الذي يفضل عليا على أبى بكر وعمر ، منهم سفيان الثوري . قال : فقلت لمعمر : ورأيته ؟ - كأني أعظمت ذاك - فقال معمر : وما ذاك ؟ ! لو أن رجلا قال : علي أفضل عندي منهما . ما عنفته إذا ذكر فضلهما إذا قال : عندي . ولو أن رجلا قال : عمر عندي أفضل من علي وأبي بكر . ما عنفته . قال عبد الرزاق : فذكرت ذلك لوكيع بن الجراح ونحن خاليان فاشتهاها أبو سفيان وضحك وقال : لم يكن سفيان يبلغ بنا هذا الحد ، ولكنه أفضى إلى معمر ما لم يفض إلينا ، وكنت أقوللسفيان : يا أبا عبد الله ، أرأيت إن فضلنا عليا على أبى بكر وعمر ، ما تقول في ذلك ؟ فيسكت ساعة ثم يقول : أخشى أن يكون ذلك طعنا على أبي بكروعمر ، ولكنا نقف .

ص: 124 ] قال عبد الرزاق : وأخبرنا ابن التيمي - يعنى معتمرا - قال : سمعت أبي يقول : فضل علي بن أبي طالب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمائة منقبة ، وشاركهم في مناقبهم ، وعثمان أحب إلي منه .

هكذا رواه ابن عساكر في " تاريخه " بسنده ، عن ابن أبى خيثمة به . وهذا الكلام فيه تخبيط كثير ، ولعله اشتبه على معمر ، فإن المشهور عن بعض الكوفيين تقديم علي على عثمان ، فأما على الشيخين فلا ، ولا يخفى فضل الشيخين على سائر الصحابة إلا على غبي ، فكيف يخفى على هؤلاء الأئمة ؟ ! بل قد قال غير واحد من العلماء ، كأيوب والدارقطني : من قدم عليا على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار . وهذا الكلام حق وصدق وصحيحومليح .

وقال يعقوب بن أبى سفيان : ثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي ، ثنا إبراهيم بن سعيد ، عن شعبة ، عن أبي عون محمد بن عبد الله الثقفي ، عن أبي صالح الحنفي قال : رأيت علي بن أبي طالب أخذ المصحف فوضعه على رأسه ، حتى أني لأرى ورقه يتقعقع . قال : ثم قال : اللهم إنهم منعوني ما فيه فأعطني ما فيه . ثم قال : اللهم إني قد مللتهم وملوني وأبغضتهم وأبغضوني ، وحملوني على غير طبيعتي وخلقي وأخلاق لم تكن تعرف لي ، اللهم فأبدلني بهم خيرا منهم ، وأبدلهم بي شرا مني ، اللهم أمث قلوبهم ميث الملح في الماء . قال [ ص: 125 ] إبراهيم : يعني أهل الكوفة .

وقال ابن أبي الدنيا : حدثني عبد الرحمن بن صالح ، ثنا عمرو بن هاشم الجنبي ، عن أبي جناب ، عن أبي عون الثقفي ، عن أبي عبد الرحمن السلميقال : قال لي الحسن بن علي : قال لي علي : إن رسول الله سنح لي الليلة في منامي ، فقلت : يا رسول الله ، ما لقيت من أمتك من الأود واللدد ؟ قال : " ادع عليهم " . فقلت : اللهم أبدلني بهم من هو خير منهم ، وأبدلهم بي من هو شر مني . فخرج فضربه الرجل . الأود : العوج ، واللدد : الخصومة . وقد قدمنا الحديث الوارد بالإخبار بمقتله ، وأنه تخضب لحيته من قرن رأسه ، فوقع كما أخبر ، صلوات الله وسلامه على رسوله .

وروى أبو داود في كتاب " القدر " أنه لما كان أيام الخوارج كان أصحاب علي يحرسونه كل ليلة عشرة يبيتون في المسجد بالسلاح ، فرآهم علي فقال : ما يجلسكم ؟ فقالوا : نحرسك . فقال : من أهل السماء ؟ ثم قال : إنه لا يكون في الأرض شيء حتى يقضى في السماء ، وإن علي من الله جنة حصينة . وفي رواية : وإن الأجل جنة حصينة ، وإنه ليس من الناس أحد إلا وقد وكل به [ ص: 126 ] ملك ، فلا تريده دابة ولا شيء إلا قال : اتقه اتقه . فإذا جاء القدر خلى عنه - وفي رواية : ملكان يدفعان عنه ، فإذا جاء القدر خليا عنه - وإنه لا يجد عبد حلاوة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه .

وكان علي يدخل المسجد كل ليلة فيصلي فيه ، فلما كانت الليلة التي قتل في صبيحتها قلق تلك الليلة ، وجمع أهله ، فلما خرج إلى المسجد صرخ الإوز . في وجهه ، فسكتوهن عنه ، فقال : ذروهن فإنهن نوائح . فلما خرج إلى المسجد ضربه ابن ملجم ، فكان ما ذكرنا قبل . فقال الناس : يا أمير المؤمنين ، ألا نقتل مرادا كلها ؟ فقال : لا ، ولكن احبسوه وأحسنوا إساره ، فإن مت فاقتلوه ، وإن عشت فالجروح قصاص . وجعلت أم كلثوم بنت عليتقول : ما لي ولصلاة الغداة ، قتل زوجي عمر أمير المؤمنين صلاة الغداة ، وقتل أبي أمير المؤمنين صلاة الغداة . رضي الله عنها .

وقيل لعلي : ألا تستخلف ؟ فقال : لا ، ولكن أترككم كما ترككم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن يرد الله بكم خيرا يجمعكم على خيركم كما جمعكم على خيركم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فهذا اعتراف منه في آخر وقت من الدنيا بفضل الصديق . وقد ثبت عنه بالتواتر أنه خطب بالكوفة في أيام خلافته ودار إمارته ، فقال : أيها الناس ، إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ، ثم عمر ، ولو [ ص: 127 ] شئت أن أسمي الثالث لسميت . وعنه أنه قال : وهو نازل من المنبر : ثم عثمان ثم عثمان . ولما مات علي ولي غسله ودفنه أهله ، وصلى عليه ابنه الحسن فكبر أربعا وقيل : أكثر من ذلك . ودفن علي بدار الخلافة بالكوفة . وقيل : تجاه الجامع من القبلة ، في حجرة من دور آل جعدة بن هبيرة بحذاء باب الوراقين . وقيل : بظاهر الكوفة . وقيل : بالكناسة . وقيل : دفن بالثوية . وقال شريك القاضي وأبو نعيم الفضل بن دكين : نقله الحسن بن علي بعد صلحه مع معاوية إلى المدينة فدفنهبالبقيع إلى جانب فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال عيسى بن دأب : بل لما أرادوا أن يحملوه إلى المدينة ليدفنوه بها جعلوه في صندوق على بعير ، فلما مروا به ببلاد طيئ أضلوا البعير ، فأخذت طيئ ذلك البعير بما عليه يحسبونه مالا ، فلما وجدوا بالصندوق ميتا دفنوه بالصندوق في بلادهم ، فلا يعرف قبره إلى الآن .

والمشهور أن قبره إلى الآن بالكوفة كما ذكر عبد الملك بن عمير أن خالد بن عبد الله القسري نائب بني أمية في زمان هشام بن عبد الملك ، لما كان أميرا على العراق هدم دورا ليبنيها دارا وجد قبرا فيه شيخ أبيض الرأس واللحية ، فإذا هو علي بن أبي طالب ، فأراد أن يحرقه بالنار ، فقيل له : أيها الأمير ، إن بنى أمية لا يريدون منك هذا كله . فلفه في قباطي ودفنه هناك . قالوا : فلا يقدر أحد [ ص: 128 ] أن يسكن تلك الدار التي هو فيها إلا ارتحل منها . كذا ذكره ابن عساكر .

ثم إن الحسن بن علي استحضر عبد الرحمن بن ملجم من السجن فأحضر الناس النفط والبواري ليحرقوه ، فقال لهم أولاد علي : دعونا نشتفي منه . فقطعت يداه ورجلاه ، فلم يجزع ولا فتر عن الذكر ، ثم كحلت عيناه ، وهو في ذلك يذكر الله وقرأ سورة : اقرأ باسم ربك إلى آخرها ، وإن عينيه لتسيلان على خديه ، ثم حاولوا لسانه ليقطعوه ، فجزع عند ذلك جزعا شديدا ، فقيل له في ذلك ، فقال : إني أخاف أن أمكث في الدنيا فواقا لا أذكر الله فيه . فقتل عند ذلك وحرق بالنار ، قبحه الله .

قال محمد بن سعد : كان ابن ملجم رجلا أسمر ، حسن الوجه ، أبلج ، شعره مع شحمة أذنه ، في جبهته أثر السجود . قال العلماء : ولم ينتظر بقتله بلوغ العباس بن علي ; فإنه كان صغيرا يوم قتل أبوه . قالوا : لأنه كان قتل محاربة لا قصاصا . والله أعلم .

وكان طعن علي ، رضي الله عنه ، يوم الجمعة السابع عشر من رمضان سنة أربعين ، بلا خلاف . فقيل : مات من يومه ، وقيل : يوم الأحد التاسع عشر منه . قال الفلاس : وقيل : ضرب ليلة إحدى وعشرين ، ومات ليلة أربع وعشرين عن تسع أو سبع أو ثمان وخمسين سنة . وقيل : عن ثلاث وستين سنة . وهو [ ص: 129 ] المشهور . قاله محمد ابن الحنفية ، وأبو جعفر الباقر ، وأبو إسحاق السبيعي ، وأبو بكر بن عياش . وقال بعضهم : عن ثلاث أو أربع وستين سنة . وعن أبي جعفر الباقر : خمس وستين سنة . وكانت خلافته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر ، وقيل : أربع سنين وتسعة أشهر وثلاثة أيام ، وقيل : وستة أيام . وقيل : وأربعة عشر يوما . وقيل : أربع سنين وثمانية أشهر وثلاثة وعشرين يوما . رضي الله عنه .

وقال جرير عن مغيرة قال : لما جاء نعي علي بن أبي طالب إلى معاوية ، وكان ذلك في وقت القائلة ، وكان نائما مع امرأته فاختة بنت قرظة في يوم صائف ، جلس وهو يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون . وجعل يبكي ، فقالت له فاختة : أنت بالأمس تطعن عليه ، واليوم تبكي عليه ! فقال : ويحك ! إنما أبكي لما فقد الناس من حلمه وعلمه وفضله وسوابقه وخيره .

وذكر ابن أبي الدنيا في كتاب " مكائد الشيطان " أن رجلا من أهل الشام من أمراء معاوية غضب ذات ليلة على ابنه ، فأخرجه من منزله ، فخرج الغلام لا يدري أين يذهب ، فجلس وراء الباب من خارج ، فنام ساعة ثم استيقظ ، فإذا هو بهر أسود بري قد جاء إلى الباب الذي لهم فنادى : يا سويد ، يا سويد . فخرج إليه الهر الذي في منزلهم ، فقال له البري : ويحك ! افتح . فقال : لا أستطيع . فقال : ويحك ! ائتني بشيء أتبلغ به فإني جائع وتعبان ، هذا أوان مجيئي من [ ص: 130 ] الكوفة ، وقد حدث الليلة حدث عظيم ، قتل علي بن أبي طالب . قال : فقال له الهر الأهلي : والله إنه ليس هاهنا شيء إلا وقد ذكروا اسم الله عليه غير سفود كانوا يشوون عليه اللحم . فقال : ائتني به . فجاء به فجعل يلحسه حتى أخذ حاجته وانصرف ، وذلك بمرأى من الغلام ومسمع ، فقام إلى الباب فطرقه ، فخرج إليه أبوه فقال : من ؟ فقال له : افتح . فقال : ويحك ! ما لك ؟ فقال : افتح . ففتح ، فقص عليه خبر ما رأى . فقال له : ويحك ! أمنام هذا ؟ قال : لا والله . قال : ويحك ! أفأصابك جنون بعدي ؟ قال : لا والله ، ولكن الأمر كما وصفت لك ، فاذهب إلى معاوية الآن فاتخذ عنده يدا بما قلت لك . فذهب الرجل فاستأذن على معاوية ، فأخبره الخبر على ما ذكر ولده ، فأرخوا ذلك عندهم قبل مجيء البرد ، ولما جاءت البرد وجدوا ما أخبروهم به مطابقا لما كان أخبر به أبو الغلام . هذا ملخص ما ذكره .

وقال أبو القاسم البغوي : ثنا علي بن الجعد ، ثنا زهير بن معاوية ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن الأصم قال : قلت للحسن بن علي : إن هذه الشيعةيزعمون أن عليا مبعوث قبل يوم القيامة . فقال : كذبوا والله ، ما هؤلاء بالشيعة ، لو علمنا أنه مبعوث ما زوجنا نساءه ولا قسمنا ماله . ورواه أسباط بن محمد ، عن مطرف ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن الأصم ، عن الحسن بن علي بنحوه . ===================================================خلافة الحسن بن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنهما 

قد ذكرنا أن عليا ، رضي الله عنه لما ضربه ابن ملجم قالوا له : استخلف يا أمير المؤمنين . فقال : لا ، ولكن أدعكم كما ترككم رسول الله صلى الله عنه وسلم - يعني بغير استخلاف - فإن يرد الله بكم خيرا يجمعكم على خيركم ، كما جمعكم على خيركم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما توفي وصلى عليه ابنه الحسن ، لأنه أكبر بنيه ، رضي الله عنهم ، ودفن كما ذكرنا بدار الإمارة بالكوفة ، على الصحيح من أقوال الناس ، فلما فرغ من شأنه كان أول من تقدم إلى الحسن بن علي ، رضي الله عنه ، قيس بن سعد بن عبادة ، فقال له : ابسط يدك أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه . فسكت الحسن، فبايعه ثم بايعه الناس بعده ، وكان ذلك يوم مات علي ، وكان موته يوم ضرب ، على قول ، وهو يوم الجمعة السابع عشر من رمضان سنة أربعين ، وقيل : إنما مات بعد الطعنة بيومين . وقيل : مات في العشر الأخير من رمضان ، ومن يومئذ ولي الحسن ابنه .

وكان قيس بن سعد على إمرة أذربيجان تحت يده أربعون ألف مقاتل قد بايعوا عليا على الموت ، فلما مات علي ألح قيس بن سعد على الحسن في النفير لقتال أهل الشام فعزل قيسا عن إمرة أذربيجان ، وولى عبيد الله بن عباس عليها ، ولم يكن في نية الحسن أن يقاتل أحدا ، ولكن غلبوه على رأيه ، [ ص: 132 ] فاجتمعوا اجتماعا عظيما لم يسمع بمثله ، فأمر الحسن بن علي قيس بن سعد بن عبادة على المقدمة في اثني عشر ألفا بين يديه ، وسار هو بالجيوش في إثره قاصدا بلاد الشام ليقاتل معاوية وأهل الشام فلما اجتاز بالمدائن نزلها وقدم المقدمة بين يديه ، فبينما هو في المدائنمعسكر بظاهرها ، إذ صرخ في الناس صارخ : ألا إن قيس بن سعد بن عبادة قد قتل . فثار الناس فانتهب بعضهم بعضا ، حتى انتهبوا سرادق الحسن . حتى نازعوه بساطا كان جالسا عليه ، وطعنه بعضهم حين ركب طعنة أشوته ، فكرههم الحسن كراهية شديدة ، ثم ركب فدخل القصر الأبيض منالمدائن فنزله وهو جريح ، وكان عامله على المدائن سعد بن مسعود الثقفي ، أخو أبي عبيد صاحب يوم الجسر ، فلما استقر الحسن بالقصر قالالمختار بن أبى عبيد ، قبحه الله ، لعمه سعد بن مسعود : هل لك في الشرف والغنى ؟ قال : وما ذا ؟ قال : تأخذ الحسن بن علي فتقيده وتبعث به إلىمعاوية . فقال له عمه : قبحك الله وقبح ما جئت به ! أأغدر بابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ !

ولما رأى الحسن بن علي تفرق جيشه عليه مقتهم ، وكتب عند ذلك إلى معاوية - وكان قد ركب في أهل الشام فنزل مسكن - يراوضه على الصلح بينهما فبعث إليه معاوية عبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن سمرة ، فقدما عليه الكوفة فبذلا له ما أراد من الأموال ، فاشترط أن يأخذ من بيت مالالكوفة خمسة آلاف ألف درهم ، وأن يكون خراج دارابجرد له ، وأن لا يسب [ ص: 133 ] علي وهو يسمع ، فإذا فعل ذلك نزل عن الإمرة لمعاوية ، ويحقن الدماء بين المسلمين . فاصطلحوا على ذلك واجتمعت الكلمة على معاوية ، على ما سيأتي بيانه وتفصيله ، وقد لام الحسين أخاه الحسن على هذا الرأي ، فلم يقبل منه ، والصواب مع الحسن ، رضي الله عنه ، كما سنذكر دليله قريبا .

ثم بعث الحسن بن علي إلى أمير المقدمة قيس بن سعد أن يسمع ويطيع لمعاوية ، فأبى قيس من قبول ذلك ، وخرج عن طاعتهما جميعا ، واعتزل بمن أطاعه ، ثم راجع الأمر فبايع معاوية بعد أيام قريبة ، كما سنذكره . ثم المشهور أن مبايعة الحسن لمعاوية كانت في سنة أربعين ، ولهذا يقال له : عام الجماعة . لاجتماع الكلمة فيه على معاوية ، والمشهور عند ابن جرير وغيره من علماء السير أن ذلك كان في أوائل سنة إحدى وأربعين كما سنذكره ، إن شاء الله . وحج بالناس في هذه السنة - أعني سنة أربعين - المغيرة بن شعبة .

وزعم ابن جرير فيما رواه عن إسماعيل بن راشد ، أن المغيرة بن شعبة افتعل كتابا على لسان معاوية أنه قد ولاه إمرة الحج عامئذ ، وبادر إلى ذلكعتبة بن أبي سفيان ، وكان معه كتاب من أخيه معاوية بإمرة الحج ، فتعجل المغيرة فوقف بالناس يوم الثامن ليسبق عتبة إلى الإمرة . وهذا الذي نقلهابن جرير لا يقبل ، ولا يظن بالمغيرة ، رضي الله عنه ، ذلك ، وإنما نبهنا على ذلك ليعلم أنه باطل . والله أعلم . فإن الصحابة أجل قدرا من هذا ، ولكن هذه نزعة شيعية .

ص: 134 ] قال ابن جرير : وفي هذه السنة بويع لمعاوية بإيلياء . يعني لما مات علي قام أهل الشام فبايعوا معاوية على إمرة المؤمنين ; لأنه لم يبق له عندهم منازع ، فعند ذلك أقام أهل العراق الحسن بن علي رضي الله عنه ، ليمانعوا به أهل الشام ، فلم يتم لهم ما أرادوه وما حاولوه ، وإنما كان خذلانهم من قبل تدبيرهم السيئ وآرائهم المختلفة المخالفة لأمرائهم ، ولو كانوا يعلمون لعظموا ما أنعم الله به عليهم من مبايعتهم ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسيد المسلمين ، وأحد علماء الصحابة وحلمائهم وذوى آرائهم . والدليل على أنه أحد الخلفاء الراشدين الحديث الذي أوردناه في دلائل النبوة من طرق عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثم تكون ملكا " . وإنما كملت الثلاثون بخلافة الحسن بن علي ، رضي الله عنه ، فإنه نزل عن الخلافة لمعاوية في ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين ، وذلك كمال ثلاثين سنة من موت رسول الله صلى الله عليه وسلم ; فإنه توفي في ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة ، وهذا من أكبر دلائل النبوة ، وقد مدحه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صنيعه هذا ، وهو تركه الدنيا الفانية ، ورغبته في الآخرة الباقية ، وحقنه دماء هذه الأمة ، فنزل عن الخلافة وجعل الملك بيد معاوية ، حتى تجتمع الكلمة على أمير واحد ، وهذا المدح قد ذكرناه فيما تقدم وسنورده في حديث أبي بكرة الثقفي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر يوما ، وجلس الحسن بن علي إلى جانبه ، فجعل ينظر إلى الناس مرة وإليه أخرى ، ثم قال : " أيها الناس ، إن ابني هذا سيد ، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " رواه البخاري